وكذلك بعد ما أتمّ الأبحاث الأصلية لكتاب الجمل قال : «فهذه جملة من أخبار البصرة وسبب فتنتها ومقالات أصحاب الآراء في حكم الفتنة بها قد أوردناها على سبيل الاختصار وأثبتنا ما أثبتنا من الأخبار عن رجال العامّة دون الخاصّة ولم نثبت في ذلك ما روته الشيعة في إنكاره ...»(١).
وبالرغم من تصريح الشيخ المفيد على أنّه قد أخذ الروايات من أهل السنّة في بعض المواضع ولكنّ الذي يظهر من نقله هو أنّ أكثر مدوّنات هذا الكتاب معتمدة على روايات أهل السنّة وليس البعض منها.
ج ـ المنهج العقلي في آثار الشيخ المفيد رحمهالله :
لقد عرّف العقل بعنوان الدليل والحجّة الباطنية للإنسان ، ولكنّنا إذا درسنا الآثار العلمية للعلماء الإسلاميّين فسوف نستنتج أنّ العقل لم يحظ على مكانة محدّدة ومعيّنة في نظر الجميع وخاصّة في نظر علماء الدين ، ونظراً إلى ذلك فإنّ الاستفادة من العقل وتأثيره في حلّ الأمور وتحليل الأحداث أيضاً لم يكن على مستوىً واحد ، وإنّ هذا الاختلاف في مقدار الاستفادة من العقل نراه مشهوداً ليس فقط بين علماء جيل وجيل بل يختلف بين علماء الجيل الواحد كذلك ، أو حتّى بين تلميذين لأستاذ واحد ، بل بين تلميذ وأُستاذه.
وعلى سبيل المثال فإنّ الشيخ الصدوق ـ أحد أساتذة الشيخ المفيد ـ كان مقيّداً بالأخبار والآثار ولا يعير للعقل أهمّية في الاستفادة من هذه الآثار ، ولكنّ الشيخ المفيد كان يرى للعقل دوراً كبيراً في معرفة الإنسان
__________________
(١) الجمل : ٤٢٣.