موضع آخر من مؤلّفاته(١) ، وهكذا في بقية المواضيع الحسّاسة فإنّه رحمهالله كلّما شعر أنّ صفحة ناصعة من صفحات التاريخ الشيعي قد تعرّضت لهجوم من قبل المغرضين نهض للدفاع عنها ، رحمة الله ورضوانه عليه.
وممّا يؤيّد ما قلناه من أنّ الشيخ المفيد لم يكن هدفه كتابة التاريخ هو انتخابه لبعض العناوين لرسائله أو كتبه ، مثل عنوان : النصرة لسيّد العترة في حرب البصرة ، حيث بيّن في كتابه هذا الحكم الشرعي للخارجين على الإمام المفترض الطاعة ـ الإمام عليّ عليهالسلام ـ ودافع عنه ونصره ، فجعل اسم كتابه «النصرة ...» مبتعداً كلّ البعد عن سرد وتدوين أحداث هذه الواقعة ، بل تعرّض إلى نوايا وآمال من أشعل نار الحرب ، وأثبت ذلك من خلال الرسائل الكثيرة التي تعدّ من أهمّ الوثائق التي أرّخت لتلك الحرب وحاول من خلالها الدفاع عن المواقف التي اتخذها أمير المؤمنين عليهالسلام في مواجهتم.
ب ـ مدرسة تدوين التاريخ عند الشيخ المفيد رحمهالله :
إذا أردنا أن نعرّف مدرسة الشيخ المفيد طبقاً للتعاريف الواردة للمدارس التاريخية يبدو أنّه من الصعب أن نخوض في هذا الموضوع ، وذلك لأنّ منهج مدرسة المدينة ـ كما قال البعض ـ كان أساسه تدوين سيرة ومغازي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بحيث أصبحت مدرسة المدينة تعرف باسم مدرسة المغازي والسيرة(٢) ، في حين أنّ الشيخ المفيد لم يتطرّق إلى هذا
__________________
(١) الفصول المختارة : ٢٨٢ ـ ٢٨٦.
(٢) (تاريخ نگاري در اسلام) : ٥٣ و ٦٥ ؛ (علم تاريخ در گستره تمدن اسلامي) ١/٤٦٠.