السماع من المشايخ دون كتابته حتّى أنكر البعض ذلك ، خصوصاً في القرنين السادس والسابع ، وهذا أمر مسلّم به لا يمكن النقاش فيه ، ولذا سمّوا المشايخ الواردة في الأسانيد إلى أصحاب الكتب (مشايخ الإجازة) ، واشتهر عندهم من استغناء مشايخ الإجازة عن التوثيق ، ولإثبات هذا أو نفيه مباحث طويلة ليس هنا مقام بيانها.
وبالجملة : نحن نواجه النقولات الواردة في الكتب بالنسبة إلى ذكر أسانيدها ومصادرها على صور مختلفة ، وهي كما يلي :
الأُولى : رواية الأحاديث مسندةً من دون التصريح بأسامي الكتب المأخوذ منها تلك الأحاديث ، وهذه الأسانيد ليست إلاّ طرقاً إلى أصحاب الكتب والأُصول من المتقدّمين الذين عاشوا في عصر أئمّة أهل البيت عليهمالسلاموكانت كتبهم محفوظة في أيدي المتأخّرين عنهم وفي خزائن مكتباتهم بأحد طرق التحمّل للحديث ، ونقلوا من تلك الكتب بسرد طرقهم وأسانيدهم إليها ونقلوا بها تراثنا إلى الأجيال التي تليهم بأمانة ، وهذا ديدن المتقدّمين من أصحابنا في أواخر القرن الثالث والقرنين الرابع والخامس(١).
__________________
(١) من أمثلة هذه الصورة : كتب سعد بن عبد الله الأشعري (المتوفّى ٢٩٩ أو ٣٠٠ هـ) ومحمّد بن الحسن الصفّار (المتوفّى ٢٩٠ هـ) ومحمّد بن يعقوب الكليني (المتوفّى ٣٢٩ هـ) ومحمّد بن إبراهيم الكاتب النعماني (من أعلام أواسط القرن الرابع) وأبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (المتوفّى ٤٦٠ هـ) ، ومن التصريحات الواضحة في هذا المعنى ما ذكره صدوق أصحابنا محمّد بن علي بن بابويه القمّي (المتوفّى ٣٨١ هـ) في كتاب فقيه من لا يحضره الفقيه ، فإنّه قال في المقدّمة ١ / ٣ ـ ٥ : «وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعوّل وإليها المرجع ، مثل كتاب حريز بن عبد الله السجستاني ، وكتاب عبيد الله بن علي الحلبي ، وكتب الحسين بن سعيد ، ونوادر أحمد بن محمّد بن عيسى ، وكتاب نوادر الحكمة تصنيف محمّد بن أحمد