(وَقالَ الَّذِينَ
اسْتُضْعِفُوا) أي الضعفاء ردا للجواب (لِلَّذِينَ
اسْتَكْبَرُوا) أي للرؤساء (بَلْ مَكْرُ
اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) وهو إبطال من المستضعفين قول المستكبرين ورفع (مَكْرُ اللَّيْلِ) لكونه خبر مبتدأ محذوف ، أي سبب صدودنا عن الإيمان
مكركم بنا ، يعني احتيالكم بالدعوة إلى الشرك في الليل والنهار فأجري الظرف مجرى
المفعول به ، فأضيف ال (مَكْرُ) إليهما اتساعا أو جعلا ماكرين مجازا لكثرة وقوع المكر
فيهما ، المعنى : أنا أشركنا بسبب مكركم (إِذْ تَأْمُرُونَنا
أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ) أي بتوحيده (وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً) أي أمثالا (وَأَسَرُّوا) الضمير للجنس المشتمل على الفريقين من المستكبرين
والمستضعفين ، أي أخفوا أو أظهروا (النَّدامَةَ) أي الحسرة من الإضلال والضلال والاتباع للمضلين (لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا) أي ونجعل يوم القيامة (الْأَغْلالَ فِي
أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا) من الرؤساء والأتباع في النار ويقال استهزاء بهم يومئذ (هَلْ يُجْزَوْنَ) أي ما يثابون (إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [٣٣] وجيء بالواو في قوله (وَقالَ الَّذِينَ
اسْتُضْعِفُوا) دون قوله (قالَ الَّذِينَ
اسْتَكْبَرُوا) ، لأنه تقدم كلامهم المعطوف عليه في الأول فعطف ، ولم
يتقدم لهم كلام في الثاني ليعطف عليه وإنما هو جواب كلام المستضعفين على سبيل
الاستئناف.
(وَما أَرْسَلْنا فِي
قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ
كافِرُونَ (٣٤))
(وَما أَرْسَلْنا فِي
قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ) أي رسولا ينذرهم (إِلَّا قالَ
مُتْرَفُوها) أي رؤساؤها المتكبرون المتنعمون في الدنيا لرسلهم (إِنَّا بِما
أُرْسِلْتُمْ بِهِ) من الكتاب والتوحيد (كافِرُونَ) [٣٤] أي جاحدون.
(وَقالُوا نَحْنُ
أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٣٥) قُلْ إِنَّ
رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ
لا يَعْلَمُونَ (٣٦))
(وَقالُوا) أي الكافرون المفتخرون بزخارف الدنيا على الفقراء
وبكثرة الأموال والأولاد (نَحْنُ أَكْثَرُ
أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) [٣٥] يوم القيامة لأنا أكرم على الله من أن يعذبنا في
الآخرة نظرا إلى أحوالنا في الدنيا ، وقد أبطل الله ظنهم بأن الرزق فضل منه يعطيه
لمن يشاء فلا تفتخروا بالمال ، فأمر نبيه عليهالسلام بقوله (قُلْ إِنَّ رَبِّي
يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) أي يقسمه كيف يشاء فربما يوسع على العاصي ويضيق على
المطيع وبالعكس فأمر الثواب لا يقاس عليه (وَلكِنَّ أَكْثَرَ
النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [٣٦] أن البسط والتقتير من الله تعالى.
(وَما أَمْوالُكُمْ
وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلاَّ مَنْ آمَنَ
وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي
الْغُرُفاتِ آمِنُونَ (٣٧))
(وَما أَمْوالُكُمْ) أي ليس جماعة أموالكم (وَلا أَوْلادُكُمْ) أي ولا جماعة أولادكم (بِالَّتِي) أي الأشياء التي (تُقَرِّبُكُمْ
عِنْدَنا زُلْفى) أي قربى ، مصدر من غير لفظ فعله بمعنى تقربكم قربة ك (أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً)(إِلَّا مَنْ آمَنَ) بالله وبما جاء من عنده استثناء من المفعول ، أي
الأموال لا تقرب أحدا إلا من آمن (وَعَمِلَ صالِحاً) منكم ، أي إلا المؤمن الصالح الذي ينفقها في سبيل الله
، وكذا الأولاد لا يقرب أحدا إلا من علمهم الخير وفقههم في الدين ورباهم بالصلاح والطاعة (فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ
بِما عَمِلُوا) أي تضاعف لهم حسناتهم الواحدة عشرا إلى سبعمائة وإلى ما لا يحصي
وهو من إضافة المصدر إلى المفعول ، أي لهم أن يجازوا الضعف (وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ) أي في قصور الجنة (آمِنُونَ) [٣٧] من الموت والهرم والمرض والعدو وغير ذلك ، وقرئ في
«الغرفة» أيضا وهي كل بناء فوق سفل ، والجمع غرف وغرفات.
__________________