في الريب (فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) أي ريبة وفجور (وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) [٣٢] أي عفيفا سليما من الريب واللين أو بعيدا من طمع الفاجر بجد وخشونة بمقتضى الإسلام.
(وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (٣٣))
(وَقَرْنَ) بكسر القاف (١) من وقر يقر ثبت ، وأصله أو قرن حذف الواو واستغني عن الهمز أو من قر في المكان يقر ، والقرار السكون ، وأصله أقررن بالكسر فيمن قرأ به أو أقررن بالفتح فيمن قرأ به ، نقلت حركة الراء فيهما إلى القاف فحذف الراء واستغني عن الهمز ، والمعنى : اثبتن واسكن (فِي بُيُوتِكُنَّ) بالوقار (وَلا تَبَرَّجْنَ) أي لا تظهرن زينتكن شهوة للرجال (تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى) أي كاظهار الجاهلية القديمة وهي زمان ولادة إبراهيم عليهالسلام ، كانت المرأة تلبس الدرع من اللؤلؤ فتمشي وسط الطريق تعرض نفسها على الرجال والجاهلية الأخرى ما بين عيسى ومحمد عليهماالسلام ، وقيل : «الأولى» جاهلية الكفر قبل الإسلام ، والأخرى جاهلية الفسق في الإسلام ، فكان المعنى : لا تحدثن بالتبرج جاهلية في الإسلام تتشبهن بها بأهل جاهلية الكفر (٢)(وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ) أي الصلوات الخمس (وَآتِينَ الزَّكاةَ) إن كان لكن مال (وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ) فيما يأمركن وينهاكن (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ) أي كل ذنب يا (أَهْلَ الْبَيْتِ) والمراد زوجات النبي عليهالسلام وإنما قال (عَنْكُمُ) دون عنكن لكونه عليهالسلام بينهن فغلب أو فاطمة وزوجها وابناها (وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) [٣٣] من التلوث بالأرجاس.
(وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً (٣٤))
(وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللهِ) أي احفظن ما يقرأ عليكن من القرآن بالوحي فيها ولا تنسين في ذلك ، فانها تدل على صدق النبوة باعجاز نظمها (وَ) من (الْحِكْمَةِ) أي شرائع الدين وعلومها لإرشاد الخلق ودفع الضلالة عنهم (إِنَّ اللهَ كانَ لَطِيفاً) يلطف بكم بانزاله عليكم (خَبِيراً) [٣٤] حين علم ما ينفعكم وما يصلحكم في دينكم.
(إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (٣٥))
قوله (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ) الآية نزل حين قالت أم سلمة يا رسول الله ذكر الله الرجال بخير فما فينا خير نذكر به ، إنا نخاف أن لا يقبل منا طاعة (٣) ، فقال تعالى إن المسلمين من الرجال أو المسلمات من النساء المسلم الداخل في السلم بعد الحرب المنقاد الذي لا يعاند (وَالْمُؤْمِنِينَ) من الرجال (وَالْمُؤْمِناتِ) من النساء والمؤمن المصدق بالله ورسوله وبما جاء به (وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ) والقانت القائم بالطاعة الدائم عليها (وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ) والصادق الذي يصدق في قوله وعلمه ونيته (وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ) والصابر الذي يصبر على الطاعة وعن المعصية (وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ) والخاشع المتواضع لله بقلبه وجوارحه (وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ) والمتصدق الذي يزكي ماله ولا يخل بالنوافل ، قيل : من تصدق بدرهم في كل أسبوع فهو من المتصدقين (٤)(وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ) والصائم الذي يصوم الفرض ، وقيل : من صام البيض من كل شهر
__________________
(١) «وَقَرْنَ» : قرأ المدنيان وعاصم بفتح القاف وغيرهم بكسرها. البدور الزاهرة ، ٢٥٦.
(٢) أخذه المصنف عن الكشاف ، ٥ / ٤٢.
(٣) عن مقاتل ، انظر البغوي ، ٤ / ٤٦٥ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٥٠.
(٤) نقل المؤلف هذا الرأي عن الكشاف ، ٥ / ٤٣ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٤٦٦.