(إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً (٧٥))
(إِذاً) أي لو ركنت إليهم (لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ) أي ضعف عذاب الحيوة الدنيا (وَضِعْفَ الْمَماتِ) أي وضعف عذاب الممات من عذاب القبر وعذاب النار بتقدير المضاف فيهما ، وقيل : يستعمل ال «ضعف» بمعنى العذاب (١) ، والمعنى : لضعفنا لك العذاب في الدنيا والآخرة (ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً) [٧٥] أي مانعا يمنع عذابنا عنك ، روي أن النبي عليهالسلام كان يقول بعد نزوله : «اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين» (٢).
(وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً (٧٦))
(وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ) أي ليزعجونك (مِنَ الْأَرْضِ) الآية مدنية إن كان المراد من ضمير (كادُوا) اليهود لما روي : «أن النبي عليهالسلام لما قدم المدينة كره اليهود إقامته بها حسدا ، فقالوا : يا أبا القاسم لقد علمت ما هذه بدار الأنبياء ، وإن أرض الأنبياء هي أرض الشام ، لأن فيها الأرض المقدسة ، وبها كان إبراهيم والأنبياء عليهمالسلام ، فان كنت نبيا مثلهم فأت الشام» (٣) ، وقيل : مكية إن كان المراد منه المشركين ، لأنهم قصدوا أن يخرجوه من مكة ، فكفهم الله منه حتى أمره بالهجرة فخرج بنفسه ، وهذا أصح ، لأن ما قبله خبر عن أهل مكة ، والسورة مكية (٤) ، وقيل : هم الكفار كلهم لأنهم أرادوا أن يخرجوه من أرض العرب باجتماعهم ، وتظاهرهم عليه فمنع الله عن رسوله عليهالسلام ، ولم ينالوا منه ما أرادوا (٥) ، فأخبر تعالى عنهم فقال : وإن الكفار قد قاربوا ليزعجوك بسرعة من أرضهم (لِيُخْرِجُوكَ مِنْها) أي من الأرض (وَإِذاً) أي ولو أخرجوك منها (لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ) وقرئ «خلفك» (٦) ، أي بعد خروجك (إِلَّا قَلِيلاً) [٧٦] أي زمانا مقدار هلاكهم في أرضهم ، ولم يعمل «إذن» هنا النصب ، لأن واو العطف ألغتها عن العمل بجعل الجملة بعدها متصلة بما قبلها ، لأنها عطفت الفعل على الفعل الذي هو مرفوع لوقوعه خبر «كاد» ، والفعل في خبر «كاد» واقع موقع الاسم فكذا ما عطف عليه ، فلم تعمل «إذن» فيه فصار حشوا.
(سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً (٧٧))
قوله (سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا) منصوب بنزع الخافض كسنة أو بفعل مقدر ، أي سن الله سنة في الدنيا بعثناهم للرسالة (قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا) إذا كذبتهم الأمم أن لا يعذبهم ما دام نبيهم بين أظهرهم ، فاذا خرج نبيهم من بينهم فيستأصلهم بالهلاك (وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا) أي لعادتنا هذه (تَحْوِيلاً) [٧٧] أي تغييرا.
(أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (٧٨))
ثم أمر النبي عليهالسلام بأن يقيم الصلوة ليلا ونهارا متوكلا عليه في كل حال بقوله (أَقِمِ الصَّلاةَ) المفروضة (لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) أي لزوالها أو لغروبها ، وأصل الدلوك الميل ، والشمس تميل إذا زالت وغربت ، والأكثر على معنى الزوال لتكون الاية جامعة لمواقيت الصلوة كلها ، لأنه إن أريد منه الغروب خرج عنها الظهر والعصر ، وإن أريد الزوال دخلا قوله (إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) أي إلى ظهور ظلمته ، في محل النصب على الحال ، أي ممتدة إليه ، ويجوز أن يتعلق الجار ب (أَقِمِ) ، قيل : المراد من ذلك الظهر والعصر والمغرب والعشاء لتناول (٧) الدلوك صلوة الظهر والعصر وتناول (غَسَقِ اللَّيْلِ) المغرب والعشاء (٨)(وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) أي وأقم صلوة الفجر ، فهو معطوف على (الصَّلاةَ) ، وسميت قرآنا لكونه جزء منها كما سميت ركوعا وسجودا وقنوتا ، ويجوز أن يكون إضافة
__________________
(١) أخذه المؤلف عن البغوي ، ٣ / ٥١٣.
(٢) روى أحمد بن حنبل نحوه ، ٥ / ٤٢ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٥١٣.
(٣) عن الكلبي ، انظر البغوي ، ٣ / ٥١٤.
(٤) أخذه عن البغوي ، ٣ / ٥١٤.
(٥) نقله المفسر عن البغوي ، ٣ / ٥١٤.
(٦) «خلافك» : قرأ المدنيان والمكي والبصري وشعبة بفتح الخاء وإسكان اللام من غير ألف ، والباقون بكسر الخاء وفتح اللام وألف بعدها. البدور الزاهرة ، ١٨٨.
(٧) لتناول ، ب : ليتناول ، س م.
(٨) أخذه عن البغوي ، ٣ / ٥١٥.