محذوف وهو لعذبوا في الدنيا قبل الإنذار وإن تصيبهم «مصيبة» مبتدأ محذوف الخبر ، وقوله (فَيَقُولُوا رَبَّنا) عطف على المبتدأ بتقدير «أن» ، وقوله (لَوْ لا) أي هلا (أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً) ينذرنا مقولهم و (لَوْ لا) هذه تحضيضية ، جوابها (فَنَتَّبِعَ آياتِكَ) بالنصب والفاء يدخل جوابا للأمر ، إذ في التحضيض معنى الأمر (وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [٤٧] بالنصب عطف على (فَنَتَّبِعَ) والذي قصد أن يكون سببا لإرسال الرسل هو قولهم (لَوْ لا أَرْسَلْتَ) الآية لا إصابة العقوبة لهم لكن إصابتها لهم سبب لقولهم ، فجعلت العقوبة كأنها سبب الإرسال بواسطة القول ، فأدخلت (لَوْ لا) عليها وجيء بالقول معطوفا عليها بالفاء المعطية معنى السببية ، فالمعنى : لو لا قولهم هذا الذي فيه معنى الاحتجاج علينا بترك الإرسال إليهم إذا أصابتهم مصيبة منا لما أرسلنا رسولا إليهم للإنذار ولعاجلناهم بالعقوبة والإهلاك لكنا فعلنا الإرسال لدفع قولهم ، وإزالة حجتهم علينا نحو لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.
(فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْ لا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ (٤٨))
(فَلَمَّا جاءَهُمُ) أي أهل (١) مكة (الْحَقُّ) وهو الرسول المصدق بالكتاب المعجز (مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْ لا) أي هلا (أُوتِيَ) هذا الرسول (مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى) من الآيات كالعصا واليد وفلق البحر والتورية جملة واحدة فقال تعالى (أَوَلَمْ يَكْفُرُوا) توبيخا لهم بكفرهم ، أي ألم يكفر أبناء جنسهم في زمان موسى ومذهب هؤلاء كمذهب أولئك وعنادهم كعنادهم فهم مثلهم في الكفر ، ولذا قال مسندا إليهم الكفر أو لم يكفروا في عهد موسى (بِما أُوتِيَ مُوسى) من التورية (مِنْ قَبْلُ) أي من قبل (٢) القرآن بأن (قالُوا) موسى وهرون (سِحْرانِ تَظاهَرا) أي تعاونا وقرئ «ساحران» (٣) ، والمراد التورية والإنجيل أو الترية والقرآن ، وذلك حين بعثوا الرهط إلى رؤساء اليهود بالمدينة يسألونهم عن محمد عليهالسلام فأخبرهم أنه نعته ، وإنه في كتابهم فرجعوا إليهم وأخبروهم بقول اليهود ، فقالوا عند ذلك : ساحران تظاهرا ، أي موسى ومحمد عليهماالسلام (وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ) منهم ومن كتبهم (كافِرُونَ) [٤٨].
(قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٩) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥٠))
قوله (قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ) أمر الله تعالى محمدا صلىاللهعليهوسلم بأن يقول فأتوا بكتاب (هُوَ أَهْدى مِنْهُما) أي مما أنزل على موسى ومما أنزل علي (أَتَّبِعْهُ) أنا (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [٤٩] في قولكم ، وفيه تهكم لهم إذ لا شك أن اتيانهم بذلك محال ، ولما كان الأمر الاتيان يقتضي الإجابة قال (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ) أي دعاءك إلى الاتيان بكتاب أهدى بحذف المفعول وزيادة اللام والذي يدل على حذف المفعول الذي هو الدعاء قوله (فَأْتُوا بِكِتابٍ) ، لأنه أمر بالاتيان وهو دعاء إلى الفعل ، أي إن لم يجيبوا دعاءك إلى الاتيان بكتاب (فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ) في كفرهم (وَمَنْ أَضَلُّ) استفهام للإنكار ، أي لا أحد أضل (مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ) أي مخذولا مطبوعا على قلبه (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [٥٠] أي لا يلطف بالقوم الثابتين على ظلمهم ، يعني لا يرشدهم إلى دينه الحق.
(وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥١))
(وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ) أي بينا للكفار القرآن وأحكامه متتابعا متواصلا وعدا ووعيدا وقصصا وعبرا
__________________
(١) أهل ، ح ي : كفار ، و.
(٢) أي من قبل ، ح : أي قبل ، وي.
(٣) «سحران» : قرأ الكوفيون بكسر السين وإسكان الحاء ، وغيرهم بفتح السين وألف بعدها مع كسر الحاء ولا يخفى ترقيق الراء لورش. البدور الزاهرة ، ٢٤١.