زهرته فقال (الزُّجاجَةُ
كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ) بضم الدال بلا همز ومع همز ، وبكسر الدال مع همز ، وهو من الكواكب الدراري وهي الكواكب المشهورة
كالمشتري والزهرة والمريخ ، ونسب الكوكب إلى الدر بالضم لفرط ضيائه ، أي أبيض
متلألئ ، فوزنه فعلى ، وهو مع المد والهمز من الدرء وهو الدفع ، لأن الكوكب يدفع
الظلمة بضيائه ، فوزنه فعيل ، وكذلك مع كسر الدال فيهما (يُوقَدُ) أي الزجاجة أو المصباح إذا قرئ بالتاء أو الياء مخففا
مجهولا ، وقرئ بفتح التاء والقاف مشددا مع ضم الدال ، أصله تتوقد معلوما بلفظ التأنيث ، أي تتوقد الزوجاجة (مِنْ شَجَرَةٍ) أي من زيت شجرة (مُبارَكَةٍ) كثيرة الخير والنفع ، لأن زيتها إدام وفاكهة ومصحة
للباسور وهي الدمل في المقعد وحواليه ، قوله (زَيْتُونَةٍ) بدل من (شَجَرَةٍ) متصفة بقوله (لا شَرْقِيَّةٍ وَلا
غَرْبِيَّةٍ) لأنها بين الشجر لا يصيبها الشمس فهي ناعمة غضة أو هي
في خط الاستواء بين المشرق والمغرب ، فلا يوصف بأحد منهما فلا يصل لها حر ولا برد
مضرين ، قوله (يَكادُ زَيْتُها) صفة ل «زيتونة» ، أي يقرب زيتها لصفائه (يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ) فكأنه لفرط ضيائه (نُورٌ عَلى نُورٍ) أي نور المصباح على نور الزجاجة ، يعني هو نور متضاعف
تناصر فيه المشكوة والمصباح والزجاجة والزيت ، لأن المصباح إذا كان في مكان ضيق
كان أجمع للضوء بخلاف الواسع ، لأنه ينتشر فيه والقنديل أعون على زيادة الإنارة ،
وكذا الزيت بصفائه وتلألئه.
وهذا تمثيل
للحق مع النبي عليهالسلام الذي هو ضد الباطل ، شبهه بالنور في ظهوره وبيانه كقوله
(اللهُ وَلِيُّ
الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) ، فالمشكوة صدر النبي عليهالسلام والزجاجة قلبه والمصباح نور النبوة فيه ، ومن شجرة
مباركة شجرة النبوة يكاد زيتها يضيء ، أي يكاد أمر النبي عليهالسلام يتبين للناس أنه نبي ولو لم يتكلم بالحق كما يكاد ذلك
الزيت ، يضيء ولو لم تمسسه نار أو هو تمثيل لنور المعرفة في قلب المؤمن المخلص ،
فالمشكوة صدره والزجاجة قلبه والمصباح نور المعرفة والشجرة المباركة كلمة الإخلاص
الثابتة فيه التي ليس بقدرية ولا جبرية ، وقيل : تمثيل للقرآن ، فالمصباح القرآن
والزجاجة قلب المؤمن والمشكوة فمه ولسانه والشجرة المباركة شجرة الوحي يكاد زيتها
يضيء ، أي حجة القرآن تظهر وإن لم يقرأ نور على نور ، أي نور من الله على خلقه مع
ما أتاهم من الدلائل قبل نزول القرآن فبذلك ازدادوا نورا (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ) أي لهذا النور الثاقب (مَنْ يَشاءُ) من عباده ، أي يوفقه لإصابة الحق بنور البصيرة (وَيَضْرِبُ اللهُ) أي يبين (الْأَمْثالَ
لِلنَّاسِ) منة عليهم ليفهموا فيؤمنوا ، لأن المثل كالمرآة يظهر
عنده الحق (وَاللهُ بِكُلِّ
شَيْءٍ عَلِيمٌ) [٣٥] أي لا يخفى عليه شيء ما من ضرب الأمثال وغيره.
(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ
اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ
وَالْآصالِ (٣٦) رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ
وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ
وَالْأَبْصارُ (٣٧) لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ
فَضْلِهِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٨))
(فِي بُيُوتٍ) يتعلق بمحذوف ، أي سبحوا فيها أو يتعلق ب (يُسَبِّحُ) بعده أو بما قبله من قوله (يُوقَدُ) ، أي مثل نوره كما يرى يتوقد في بيوت هي المساجد من نور
القناديل أو ب (كَمِشْكاةٍ) أو ب (الْمِصْباحُ) ، أي كمشكوة في بيوت أو المصباح في بيوت (أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ) أي تعظم أو تبنى والمراد بال (أَذِنَ) الأمر (وَيُذْكَرَ فِيهَا
اسْمُهُ) وهو
__________________