لأهل مكة المفتخرين بالدنيا والمستهزئين بالفقراء لفقرهم ، وفيه دليل أن
الفرح بالدنيا حرام (وَمَا الْحَياةُ
الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ) أي كائنة في جنب الآخرة ، فهو حال لا ظرف ل (الْحَياةُ) ولا ل (الدُّنْيا) ، أي ليس نعيم الدنيا في جنب نعيم الآخرة (إِلَّا مَتاعٌ) [٢٦] أي إلا قليل ذاهب كالسكرجة والقدح والقدر ويتمتع
به زمانا قليلا ثم يذهب.
(وَيَقُولُ الَّذِينَ
كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ
مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ (٢٧))
(وَيَقُولُ الَّذِينَ
كَفَرُوا) من أهل مكة (لَوْ لا) أي هلا (أُنْزِلَ عَلَيْهِ) أي على محمد (آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) أي علامة لنبوته من الله فنزل تجهيلا لهم وتعجيبا من
حالهم وسؤالهم بعد ما شاهدوا الآيات على صدقه (قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) من عباده عن الهدى إذا لم يرغب فيه بعقله وهو في قوة
قوله ما أعظم كفركم وتصميمكم عليه ، فليس هذا إلا من إرادة الضلال منكم ، ومن يضلل
فلا هادي له (وَيَهْدِي إِلَيْهِ) أي ويرشد إلى دينه (مَنْ أَنابَ) [٢٧] أي رجع عما هو عليه من الكفر إلى الحق بالرغبة
فيه.
(الَّذِينَ آمَنُوا
وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ
الْقُلُوبُ (٢٨))
قوله (الَّذِينَ آمَنُوا) في محل الرفع خبر مبتدأ محذوف أو في محل النصب بدل من
قوله (أَنابَ) ، أي يهدي الذين أخلصوا إيمانهم بالله (وَتَطْمَئِنُّ) أي تسكن من غير ريب (قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ
اللهِ) أي بوحدانيته ويستقر فيه اليقين أو بذكره إذا ذكروه ولا
تنافي بينه وبين قوله (إِذا ذُكِرَ اللهُ
وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) لاستحالة اجتماعهما في قلب واحد في حالة واحدة ، لأن
رجل القلب يقع عند الوعيد والطمأنينة عند الوعد ، وقيل : القلوب إذا ذكرت عدل الله
، وشدة حسابه توجل وإذا ذكرت فضل الله وكرمه تطمئن ، وأكد ذلك بقوله (أَلا بِذِكْرِ اللهِ
تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [٢٨] أي تسكن وترضى ولا تضطرب بعد خوفها وقلقها وهي
قلوب المؤمنين.
(الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (٢٩))
ثم قال مستأنفا
لبيان ما أعد لهم في الآخرة (الَّذِينَ آمَنُوا) أي صدقوا بالله وبمحمد عليهالسلام وبالقرآن (وَعَمِلُوا
الصَّالِحاتِ) أي الخيرات من الفرائض والنوافل (طُوبى) أي غبطة وسرور لهم (لَهُمْ وَحُسْنُ
مَآبٍ) [٢٩] أي وحسن المنقلب يوم البعث.
قال ابن عباس
رضي الله عنه : «طوبي قرة عين وفرح قلب وحيوة طيبة ، فعلى من الطيب وهو الخير ، والواو فيه لضمة الطاء ،
أصله طيبي ، وقيل : «طوبى اسم شجرة في الجنة تظل الجنان كلها» ، وقيل : «شجرة في جنة عدن ، أصلها في دار النبي عليهالسلام فيها وفي كل دار وغرفة غصن منها لم يخلق الله لونا ولا
زهرة إلا وفيها منها إلا السواد ولم يخلق الله فاكهة ولا ثمرة إلا وفيها منها ينبع
من أصلها عينان والكافور والسلسبيل» ، «كل ورقة منها تظل أمة عليها ملك يسبح الله بأنواع
التسبيح» ، «غرسها الله بيده ونفخ فيها من روحه تنبت الحلي
والخلل وإن أغصانها لترى من وراء سور الجنة» .
قال أبو هريرة
: «إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة» ، وروي : لو أن أحدكم ركب جوادا لمات هرما قبل أن يطوف
بها ، ما في الجنة نهر إلا وهو يخرج من أصل تلك الشجرة ، يقول الله تعالى لها
تفتقي لعبدي كما يشاء فتتفتق له عن فرس بسرجة ولجامه وهيئته كما يشاء .
(كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ
فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي
أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ
__________________