وصنعت ما سألناك (١) ، صدّقناك. فقال النبيّ عليهالسلام : «ما بهذا بعثت إنّما جئتكم من الله بما بعثني به ، وقد بلّغتكم ما أرسلت به إليكم ، ما أنا بفاعل ، ولا بالذي أسأل ربّي هذا». قالوا : يا محمد ، أيعلم ربّك أنّا سنجلس معك ونسألك عما سألناك ، وترجع علينا ما ترجع. قال : نعم ، فقال نبيه بن الحجاج : أخرى ، بلغنا أنّ هذا إنّما يعلّمك رجل باليمامة يقال له : الرحمن ، ثمّ قال لجلسائه : تعلمون ذلك؟ قال القوم : نعم ، وإنّا والله لا نؤمن (١٩٤ ظ) بالرحمن ، فقد أعذرنا إليك يا محمد ، إنّا والله لا نتركك حتى نهلكك ، أو تهلكنا ، فقال الأخنس بن شريق : نحن نعبد الملائكة فهي بنات الله ، وقال عبد الله بن أبي أمية : لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلا ، إلى قوله : (بَشَراً رَسُولاً) [الإسراء : ٩٣] ، فلمّا قام النبيّ عليهالسلام تبعه أبو جهل ، فقال : يا محمد ، والله لا نعذر إليك بعد هذا المجلس مذلانك ، وقام معه عبد الله بن أبي أمية ، فقال : يا محمد ، عرض عليك قومك أمرا ، فلم تقبله ، ثم سألوك (٢) لأنفسهم أمورا ، ليعرفوا بها صدقك من كذبك ، فلم تأتهم بها ، وإنّا نسألك خصلة واحدة ، قال عليهالسلام : وما هي؟ قال : تنزل علينا كسفا من السماء ، فهذه لا نبالي بها ، ولا يبالي ربك ، ولم نؤمن بك حتى تتخذ إلى السماء سلما ، ثم ترقى فيه ، وأنا أنتظر (٣) حتى تأتينا ، ثم تأتي معك بصحيفة منشورة معها أربعة من الملائكة يشهدون أنّها كما تقول ، وايم الله لو فعلت ذلك ما ظننت أنّي أصدقك ، ثم انصرف ، وانصرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى بيته حزينا لما كان يطمع فيه من قومه.
(يَنْبُوعاً) : عينا (٤).
عنوا بقولهم : (كَما زَعَمْتَ) قوله : (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ) الآية [سبأ : ٩] ، وهذا ليس بوعيد كائن ، ولكنّه تخويف وتنبيه على القدرة ، وقوله : (وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا (٥) سَحابٌ مَرْكُومٌ) [الطور : ٤٤] في معنى قوله : (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ ...) الآية (٦) [الأنعام : ١١١].
__________________
(١) (وصنعت ما سألناك ، صدقناك) ، ساقطة من أ.
(٢) مذل يمذل مذلا أي : قلقت وضجرت بسرك حتى أفشيته. لسان العرب ١١ / ٦٢١.
(٣) (وأنا أنتظر) ، ساقطة من ع.
(٤) ساقطة من أ.
(٥) أ : فقالوا.
(٦) ساقطة من ك.