هذه تشفع لنا (١) ، ولّما سجد في آخر السورة سجدوا معه أجمعون ، ورفع الوليد بن المغيرة ، وأبو أحيحة سعيد بن العاص (٢) التراب إلى وجوههما يسجدان عليهما من ضعفهما وعجزهما ، وقال أبو أحيحة : يا محمد ، إنّ لك أن تراجع ، ولقد أصبت حيث ذكرت آلهتنا بخير ، فاغتمّ رسول الله ، وجلس في بيته حزينا ، فلمّا أتاه جبريل عليهالسلام قرأ عليه سورة والنجم (٣) ، قال : ما جئتك بهاتين الكلمتين ، فقال عليهالسلام : قلت عليه ما لم أقل فأنزل. (٤)
وعن ابن عباس : قدم رسول الله وفد ثقيف ، فأبصرهم المغيرة بن شعبة ، وهو يرعى في نوبته ، فانصرف إلى رسول الله ليبشره ، واستقبله أبو بكر ، فأقسم عليه أن لا يسبقه بالبشارة ، فرجع المغيرة إلى هؤلاء الوفود يعلمهم التحيّة إذا دخلوا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأبوا عليه إلا تحية أهل الجاهلية ، وكان خالد بن سعيد بن العاص يمشي بين يدي رسول الله وبين القوم ، وهو الذي كتب كتابهم ، فلمّا دخلوا عليه قالوا : يا محمد ، نحن أخوالك (٥) وأصهارك وجيرانك ، وخير أهل نجد سلما ، وأضرّهم عليك حربا ، إن سالمنا سالم من بعدنا ، وإن حاربنا حارب من بعدنا ، فقال عليهالسلام : ماذا تريدون؟ قالوا : نبايعك على ثلاث خصال : أن لا نجبّي (٦) ، يعنون في الصلاة ، وأن (٧) لا نكسّر أصنامنا بأيدينا ، وأن تمتعنا بالطاغية سنة ، يعنون اللات ، فقال عليهالسلام : لا خير في دين لا صلاة فيه ، ولا ركوع ولا سجود ، وأمّا أن لا تكسروا أصنامكم بأيديكم ، فذلك لكم ، وأمّا الطاغية فإنّي غير ممتعكم بها ، قالوا : يا رسول الله ، إنّا نحبّ أن تسمع العرب بأنّك أعطيتنا ما لم تعط غيرنا ، فإن كرهت ، وخشيت أن تقول العرب : أعطاهم ما لم يعطنا ، فقل : أمرني ربّي بذلك ، فسكت عليهالسلام ودعا بوضوء ، فقال عمر بن الخطاب : أحرقتم رسول الله ، أحرق الله أكبادكم ، إنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا يدع الأصنام في أرض العرب ، إما أن تسلموا ، وإما أن ترجعوا ، فلا حاجة لنا فيكم ، فأنزل الله. (٨)
__________________
(١) أ : لنا عنده.
(٢) أبو أحيحة سعيد بن العاص بن أمية ، القرشي الأموي ، شاعر جاهلي. أسماء من يعرف بكنيته ٣٠ ، وتاريخ دمشق ٢١ / ١٠٥.
(٣) أ : النجم.
(٤) أخرجه ابن سعد في الطبقات ١ / ٢٠٥ ، وينظر : نصب المجانيق ٣٠. هذا في الحديث الموضوع عن النبي عليهالسلام ، في قصة إلقاء الشيطان الكلام على لسان النبي عليهالسلام ، في سورة النجم ، بعد قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (٢٠)) [النجم : ١٩ ـ ٢٠]. ينظر : تفسير ابن كثير ٣ / ٣٠٨ ـ ٣١٠ ، وقد ألف الشيخ ناصر الدين الألباني كتابا رد فيه هذه القصة من أصلها ، سماه «نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق)).
(٥) ك : أخو الملك. وهو تحريف.
(٦) يريدون الركوع في الصلاة. غريب الحديث لابن قتيبة ١ / ١٤٧ ، ولسان العرب ١٤ / ١٣٠.
(٧) الأصل : فأن. وع : أنا.
(٨) ينظر : مجمع البيان ، والسيرة النبوية ، وتاريخ المدينة ٢ / ٥١١.