فهذا فيه دليل على أن باب الكهف كان من نحو الشمال ، لأن الله تعالى أخبر أن الشمس إذا دخلته عند طلوعها تزاور عنه (ذاتَ الْيَمِينِ) أى يتقلص الفىء يمنة ، كما قال ابن عباس (تزاور) أى تميل ، وذلك أنها كلما ارتفعت فى الأفق تقلص شعاعها بارتفاعها حتى لا يبقى منه شىء عند الزوال فى مثل ذلك المكان. ولهذا قال سبحانه : (وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ) أى تدخل إلى غارهم من شمال بابه ، وهو من ناحية المشرق ، فدل على صحة ما قلناه.
وهذا بيّن لمن تأمله وكان له علم بمعرفة الهيئة وسير الشمس والقمر والكواكب.
وبيان ذلك : أنه لو كان باب الغار من ناحية الشرق لما دخل إليه منها شىء عند الغروب ، ولو كان من ناحية القبلة لما دخل منها شىء عند الطلوع ، ولا عند الغروب ، ولا تزاور الفىء ـ أى مال ـ يمينا وشمالا ، ولو كان من جهة الغرب لما دخلته وقت الطلوع ، بل بعد الزوال ، ولم تزل فيه إلى الغروب ، فتعيّن ما ذكرناه (١) وهنا مجموعة من الأسئلة تطرح نفسها ...
* أين مكان هذا الكهف .. ولماذا لم يحدد القرآن مكانه؟
* لم يخبرنا الحق سبحانه بمكان هذا الكهف فى أى البلاد من الأرض ـ إذ لا فائدة لنا فيه ، ولا قصد شرعى. ولو كان لنا فيه مصلحة دينية ، لأرشدنا الله تعالى ، ورسوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إليه ، فقد قال النبى المصطفى صلىاللهعليهوسلم : «ما تركت شيئا يقرّبكم إلى الجنّة ويباعدكم من النّار إلّا وقد أعلمتكم به».
__________________
(١) ابن كثير ٣ / ٧٤