من قدم بين يدى التابوت لم يرجع حتى يقتل ، أو ينهزم معه الجيش ، فقتل ، وتزوج المرأة ، ونزل الملكان على داود ـ عليهالسلام ـ فسجد ، فمكث أربعين ليلة ساجدا ، حتى نبت الزرع من دموعه على رأسه ، فأكلت الأرض جبينه ، وهو يقول فى سجوده :
«ذل داود ذلة هى أبعد مما بين المشرق والمغرب ، ربّ إن لم ترحم ضعف داود ، وتغفر له ذنبه ، جعلت ذنبه حديثا فى الخلائق من بعده ، فجاء جبريل ـ عليهالسلام ـ بعد أربعين ليلة ، فقال : يا داود إن الله تعالى قد غفر لك الهم ، الذى هممت به ، فقال داود : قد علمت أن الله قادر على أن يغفر الهمّ الذى هممت به» ..
وقوله تعالى : (فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ) [سورة ص : ٢٤] ـ أى طلب المغفرة من الله ، وخر ساجدا لله تعالى ، ورجع إليه بالتوبة والندم على ما فرط منه ، فاستغفر ربه مما ألم به ، وتاب ، وخر راكعا ، وصلى لله قائما وساجدا ، وأناب ، وقد ذكر أنه استمر ساجدا أربعين يوما.
* وروى عن كعب الأحبار ، وعن وهب بن منبه ، وغيرهما ، قالوا جميعا :
«إن داود ـ عليهالسلام ـ لما دخل عليه الملكان ، وقضى على نفسه ، تحوّلا فى صورتهما فعرجا ، وهما يقولان : قضى الرجل على نفسه ، وعلم داود أنما فتناه ، فخرّ ساجدا أربعين يوما ، لا يرفع رأسه إلا لحاجة لا بد منها ، أو صلاة مكتوبة ، ثم يعود فيسجد .. لا يأكل ولا يشرب ، وهو يبكى حتى نبت العشب حول رأسه ، وهو ينادى ربه تعالى ، ويسأله التوبة ، وكان يقول فى سجوده :
سبحان الملك الأعظم ، الذى يبتلى الخلائق بما يشاء.
سبحان خالق النور ، سبحان الحائل بين القلوب ، إلهى .. خليت بينى وبين عدوى إبليس فلم أتنبه لفتنة إذ زلّ بى قدمى.