ليس لهم من اللباب والبناء ما يسترهم من حر الشمس ، فإذا طلعت الشمس دخلوا فى أسراب تحت الأرض ، وإذا غربت خرجوا لمكاسبهم ، أى ليس لهم بناء يكنّهم ، ولا أشجار تظلهم وتسترهم من حر الشمس ، كانوا حمرا قصارا مساكنهم الغيران ، أكثرهم يعيشون على السمك ، كانوا فى مكان لا يثبت عليه بنيان ، ويقال إنهم الزنج. (١)
قال ابن جرير : لم يبنوا فيها بناء قط ، ولم يبن عليهم فيها بناء قط ، كانوا إذا طلعت الشمس دخلوا أسرابا لهم حتى تزول الشمس ، أو دخلوا البحر ، وذلك أن أرضهم ليس فيها جبل. جاء جيش مرة فقال لهم أهلها : لا تطلعن عليكم الشمس وأنتم بها ، قالوا : لا نبرح حتى تطلع الشمس .. ما هذه العظام؟ ، قالوا : هذه جيف طلعت عليهم الشمس هنا فماتوا ، قال : فذهبوا هاربين فى الأرض.
(كَذلِكَ وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً) أى كذلك فعل بأهل المشرق ، من آمن تركه ، ومن كفر قتله ، كما فعل بأهل المغرب وقد أحطنا علما بأحواله وأخباره ، وعتاده وجنوده ، فأمره من العظمة وكثرة الرجال بحيث لا يحيط به إلّا علم اللطيف الخبير ، فإنه تعالى : (لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ.)
أما عن الهدف الثانى من مسيرته فى سبيل الله .. وهو حماية الأقليات المؤمنة من طغيان الأكثريات الكافرة المفسدة المخربة .. فيقول القرآن :
(ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً. حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً. قالُوا : يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا. قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ ، فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً) [الكهف : ٩٢ ـ ٩٥]
__________________
(١) تفسير الطبرى ١٦ / ١٤ ، وتفسير ابن كثير ٣ / ١٠٣