قال أهل المعاني : صورة الآية خبر ؛ ومعناها : أمر ؛ تقديرها : ومن دخله فأمّنوه ، لقوله : (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ)(١) أي لا ترفثوا ولا تفسقوا ولا تجادلوا. وقيل : معناه : من دخله لقضاء النّسك معظّما لله عارفا بحقوقه متقرّبا إلى الله تعالى كان آمنا يوم القيامة. وقال الضحّاك : (معناه : من حجّه فدخله كان آمنا من الذّنوب الّتي اكتسبها قبل ذلك). وقال جعفر الصّادق : (من دخله على الصّفاء كما دخله الأنبياء والأولياء كان آمنا من عذابه).
قال أبو النّجم القرشيّ : كنت أطوف بالبيت ؛ فقلت : (يا سيّدي قد قلت : (ومن دخله كان آمنا) من أيّ شيء؟ فسمعت قائلا من ورائي يقول : آمنا من النار ؛ فالتفتّ فلم أر شيئا). يدلّ على هذا ما روى أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [من مات في أحد الحرمين بعثه الله من الآمنين](٢). وقال صلىاللهعليهوسلم : [الحجون والبقيع يؤخذ بأطرافهما وينتشران في الجنّة] وهما مقبرتا مكّة والمدينة. وقال صلىاللهعليهوسلم : [من صبر على حرّ مكّة ولو ساعة من نهار تباعدت عنه جهنّم مسيرة مائتي عام ؛ وتقرّبت منه الجنّة مسيرة مائة عام](٣).
وقال وهب بن منبه : (مكتوب في التّوراة : أنّ الله عزوجل بعث سبعمائة ألف من الملائكة المقرّبين إلى البيت ، بيد كلّ واحد منهم سلسلة من ذهب ، فيقول لهم : اذهبوا إلى البيت الحرام ، قرّموه بهذه السّلاسل ثمّ قودوه إلى المحشر ؛ فيأتون به بسبعمائة سلسلة من ذهب ؛ ثمّ يقودونه وملك ينادي : يا كعبة الله سيري ، فتقول : لست سائرة حتّى أعطى سؤلي ، فينادي ملك من جوّ السّماء سلي ، فتقول : يا ربّ شفّعني في جيرتي الّذين دفنوا حولي من المؤمنين ، فيقول الله : قد أعطيتك سؤلك ،
__________________
(١) البقرة / ١٩٧.
(٢) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير : ج ٦ ص ٢٤٠ : الحديث (٦١٠٤) ؛ وفيه : [استوجب شفاعتي وكان يوم القيامة من الآمنين]. وفي مجمع الزوائد : ج ٢ ص ٣١٩ ؛ قال الهيثمي : «رواه الطبراني في الكبير ، وفيه عبد الغفور بن سعيد ، وهو متروك».
(٣) ذكره المتقي الهندي في كنز العمال : الرقم (٣٤٧٠٤) وعزاه لأبي الشيخ عن أبي هريرة. وكعادته أدرج الناسخ عبارة : (كذا في تفسير الثعلبي).