فيحشر موتى مكّة من قبورهم بيض الوجوه كلّهم محرمون ؛ فيجتمعون حول الكعبة ثمّ يلبّون ، ثمّ تقول الملائكة : سيري يا كعبة الله ؛ فتقول : لست سائرة حتّى أعطى سؤلي ، فينادي ملك من جوّ السّماء : سلي ، فتقول : يا ربّ ؛ عبادك المذنبين الّذين وفدوا إليّ من كلّ فجّ عميق شعثا غبرا ؛ قد تركوا الأهلين والأولاد والأحباب ، وخرجوا شوقا زائرين مسلّمين طائعين حتّى قضوا مناسكهم كما أمرتهم ، فأسألك أن تؤمّنهم من الفزع الأكبر وشفّعني فيهم وتجمّعهم حولي ، فينادي مناد : إنّ منهم من ارتكب الذّنوب بعدك وأصرّ على الكبائر حتّى وجبت له النّار ، فتقول الكعبة : إنّما أسألك الشّفاعة لأهل الذّنوب العظام ، فيقول الله تعالى : قد شفّعتك فيهم وأعطيتك سؤلك. ثمّ ينادي مناد : ألا من زار الكعبة ، فيعزل من بين النّاس فيعتزلون ؛ فيجمعهم الله حول البيت الحرام بيض الوجوه آمنين من النّار ، يطوفون ويلبّون. ثمّ ينادي ملك من جوّ السّماء يا كعبة الله سيري ، فتقول الكعبة : لبّيك لبّيك ؛ والخير في يديك ؛ لبّيك لا شريك لك لبّيك ؛ إنّ الحمد والنّعمة لك والملك ؛ لا شريك لك. ثمّ يشيّعونها إلى المحشر).
قوله عزوجل : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) ؛ قال عكرمة : (لمّا نزل قوله تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) قالت اليهود : نحن مسلمون ؛ فأمروا أن يحجّوا إن كانوا مسلمين). واللّام في قوله (لِلَّهِ) لام الإيجاب والإلزام ؛ أي لله فرض واجب على النّاس حجّ البيت.
قرأ أبو جعفر والأعمش وحمزة والكسائيّ وخلف وحفص : (حجّ البيت) بكسر الحاء هذا الحرف وحده خاصّة. وقرأ ابن أبي إسحق جميع ما في القرآن بالكسر ، وهي لغة نجد. وقرأ الباقون بالفتح في كلّ القرآن ، وهي لغة أهل الحجاز ، وهما لغتان فصيحتان بمعنى واحد. وقال بعضهم هو بالفتح المصدر ، وبالكسر الاسم.
قوله عزوجل : (مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) ؛ بدل من الناس ، وهو بدل البعض من الكلّ ، قال عبد الله بن عمر : سئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن الاستطاعة في هذه