الأرض بلدة إذا دعا الرّجل فيها بدعاء أمّن الملائكة على دعائه إلّا مكّة ، ولا أعلم على وجه الأرض بلدة يموت فيها الميّت فيكون تكفيرا لخطاياه إلّا مكّة ، وما أعلم على وجه الأرض بلدة صدر إليها جميع النّبيّين والمرسلين إلّا مكّة ، وما أعلم على وجه الأرض بلدة ينزل فيها كلّ يوم من روح الجنّة ورائحتها ما ينزل إلّا بمكّة ، والرّكعة الواحدة فيها بمائة ألف ركعة).
قوله تعالى : (مُبارَكاً) نصب على الحال ؛ أي الذي استقرّ بمكّة ، والبركة بثوب الخير ونموّه. وقوله تعالى : (وَهُدىً لِلْعالَمِينَ) أي قبلة للمؤمنين. وقيل : بيان ودلالة للعالمين على الله بإهلاك من قصده من الجبابرة ، وباستئناس الطّير فيه بالناس ، وبأن لا يعلوه طائر إعظاما له ، وبإمحاق ما يرمى فيه من الجمار في كلّ سنة ، فلو لا أنّ ما يقبل منها يرفع كما قال ابن عبّاس ، وإلّا كان قد اجتمع هناك من الحجارة مثل الجبال. ويجوز أن يكون المراد بالهدى أنه طريق الجنّة.
قوله عزوجل : (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ) ؛ أي فيه علامات واضحات ، وهنّ ما تقدّم ذكره ومقام إبراهيم أيضا ، والآية في مقام إبراهيم : أن قدميه دخلتا في حجر صلد بقدرة الله تعالى صار الحجر كالطين حتى غاصت قدماه فيه ثم عاد حجرا صلدا ليكون ذلك دلالة على صدق نبوّته عليهالسلام. قرأ ابن عبّاس : (فيه آية بيّنة) على الواحد وأراد مقام إبراهيم وحده. وقرأ الباقون بالجمع أرادوا مقام إبراهيم والحجر الأسود والحطيم وزمزم والمشاعر كلّها.
قوله تعالى : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) ؛ قال الحسن : (عطف الله قلوب العرب في الجاهليّة على أنّ كلّ من لاذ بالحرم وإن كان جانيا لا يهاج فيه ، وذلك بدعاء إبراهيم عليهالسلام حيث قال : (رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً)(١) وكان في الجاهليّة من دخله أمن من القتل ؛ ولم يزده الإسلام إلّا شدّة. وقيل : إن أوّل من لاذ بالحرم :الحيتان الصغار من الكبار في الطّوفان ، وقيل : من دخله عام عمرة القضاء مع النبيّ صلىاللهعليهوسلم كان آمنا ، بيانه : قوله تعالى : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ)(٢).
__________________
(١) البقرة / ١٢٦.
(٢) الفتح / ٢٧.