وقال الحسن : (معناه : إنّ أوّل بيت وضع لعبادة النّاس على وجه الأرض الكعبة ؛ بناها إبراهيم عليهالسلام كما قال تعالى : (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ)(١). وأمّا بناء بيت المقدس فقد كان بعد الكعبة بدهر طويل ؛ بناه سليمان بن داود عليهماالسلام).
قال الكلبيّ : (كان آدم عليهالسلام حين أخرج من الجنّة بنى الكعبة فطاف بها ، فلمّا كان في زمن طوفان نوح عليهالسلام رفعها الله إلى السّماء السّادسة بحيال موضع الكعبة ؛ وهي البيت المعمور يقال له الضّراح ؛ يدخله كلّ يوم سبعون ألف ملك). وروي أنّ الله تعالى أنزل الكعبة من السّماء وهي من ياقوتة حمراء ، وكانت الملائكة تحجّها قبل آدم عليهالسلام ، فلمّا كثرت الخطايا رفعها الله تعالى.
وعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنّه قال : [إنّ الكعبة كانت خشعة على وجه الماء فدحيت الأرض من تحتها] والخشعة : مثل الصّبرة متواضعة (٢).
قوله تعالى : (بِبَكَّةَ) ، قال الضحّاك : (هي مكّة ، والعرب تعاقب بين الباء والميم فتقول : ضربة لازب ، وضربة لازم). وقال ابن شهاب : (بكّة المسجد والبيت ، ومكّة الحرم كلّه) ومثله قال الزهريّ. وسمّي المسجد بكّة ؛ لأنّ البكّ هو الرّحمة ، في اللغة يقال : بكّه إذا رحمه. وسمّي المسجد بكّا لأن الناس يتباكّون فيه ؛ أي يزدحمون للطواف. وقال أبو عبيد : (بكّة اسم لبطن مكّة ، ومكّة لما بقي). وقال عبد الله بن الزّبير : (سمّيت البلد بكّة لأنّها تبكّ أعناق الجبابرة ؛ ما قصدها جبّار إلّا قصمه الله كأصحاب الفيل وغيرهم). وسميت مكّة لاجتذابها النّاس من كلّ أفق. يقال امتكّ الفصيل في ضرع النّاقة اذا استقصى فلم يدع شيئا منه.
قال ابن عبّاس رضي الله عنه : (ما أعلم على وجه الأرض بلدة الحسنة فيها بمائة ألف إلّا مكّة ، ولا درهما يتصدّق به يكتب لديه ألف درهم إلّا بمكّة ، وما أعلم على وجه الأرض بلدة فيها شراب الأبرار ومصلّى الأخيار إلّا مكّة ، وما أعلم على وجه
__________________
(١) الحج / ٢٦.
(٢) في كتاب الغريبين : ج ٢ ص ٥٥٧ ؛ قال الهروي : «وقرأت لابن حمزة قال : الخشعة : قف من الأرض قد غلبت عليها السهولة. ومن روى [خشفة] أي ليس بحجر ولا طين».