قوله عزوجل : (قُلْ صَدَقَ اللهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) ؛ أي قل لهم يا محمّد صدق الله في أنّ كلّ الطعام كان حلّا لبني إسرائيل إلّا ما حرّم إسرائيل على نفسه ، (فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) في استباحة لحوم الإبل وألبانها وافعلوا ما كان يفعله من الصلاة إلى الكعبة وحجّ البيت ، (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٩٥)) ؛ أي لم يكن إبراهيم على دين المشركين ، ولم يفعل كما كان يفعله اليهود في ادّعائهم أنّ عزيرا ابن الله ؛ ولا كما يقول النصارى إنّ المسيح ابن الله. وهذه الآيات حجّة على اليهود في إنكارهم نسخ الشريعة.
قوله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ (٩٦)) ؛ قال مجاهد : (تفاخر المسلمون واليهود ؛ فقالت اليهود : بيت المقدس أفضل وأعظم من الكعبة ؛ لأنّها مهاجر الأنبياء وهي الأرض المقدّسة ، وقال المسلمون : بل الكعبة أفضل ، فأنزل الله هذه الآية : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ). وقرأ ابن السميقع : (وضع) بفتح الواو والضّاد بمعنى وضعه الله. (لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ) (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ) ؛ وليس ذلك بيت المقدس ، وكتب على الناس حجّ البيت وليس ذلك بيت المقدس.
واختلفوا في قوله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ) ؛ قال بعضهم : هو أوّل بيت وضع على وجه الماء عند خلق الله السّموات والأرض ، خلقه الله تعالى قبل الأرض بألفي عام ، وكان ربوة بيضاء على الماء فدحيت الأرض من تحته ، وهذا قول ابن عمر ومجاهد وقتادة والسديّ. وقيل : معناه : أوّل بيت بناه آدم في الأرض ، قاله ابن عبّاس. وقال الضحّاك : (معناه : أوّل بيت وضع فيه البركة واختير من الفردوس الأعلى).
وقيل : هو أوّل بيت جعل قبلة للمسلمين. وعن أبي ذرّ قال : سئل النّبيّ صلىاللهعليهوسلم عن أوّل بيت وضع للنّاس ، فقال : [المسجد الحرام ؛ ثمّ بيت المقدس] فقيل له : كم بينهما؟ قال : [أربعون عاما](١).
__________________
(١) رواه مسلم في الصحيح : كتاب المساجد ومواضع الصلاة : الحديث (١ / ٥٢٠). والطبري في جامع البيان : الحديث (٥٨٧٢).