فحرّم أحبّ الطعام والشراب إليه ، وكان ذلك لحوم الإبل وألبانها ، ثم استنّ ولده سبيله. فذلك قوله : (إلّا ما حرّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزّل التّوراة).
فلمّا نزلت هذه الآية ؛ قال النبيّ صلىاللهعليهوسلم لليهود : [ما الّذي حرّم إسرائيل على نفسه؟] قالوا : كلّ شيء حرّمناه اليوم على أنفسنا ؛ فإنّه كان محرّما على نوح عليهالسلام فهلمّ جرّا حتّى انتهى إلينا ، وأنت يا محمّد وأصحابك تستحلّونه ، وادّعوا أنّ ذلك مسطور في التّوراة.
وقال الكلبيّ : (كان هذا حين قال النّبيّ صلىاللهعليهوسلم : [أنا على ملّة إبراهيم عليهالسلام] قال اليهود : كيف وأنت تأكل الإبل وألبانها؟! فقال صلىاللهعليهوسلم : [كان ذلك حلالا لإبراهيم فنحن نحلّه]. قالت اليهود : كلّ شيء أصبحنا اليوم نحرّمه ؛ فإنّه كان حراما على إبراهيم ونوح ، وهلمّ جرّا حتّى انتهى إلينا. فأنزل الله تعالى هذه الآية تكذيبا لهم : (كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ).
قوله تعالى : (قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٩٣)) ، وذلك أنّ اليهود قال لهم النّبيّ صلىاللهعليهوسلم : [ما الّذي حرّم إسرائيل على نفسه؟] قالوا : كلّ شيء نحرّمه اليوم على أنفسنا. قال الله تعالى للنّبيّ صلىاللهعليهوسلم : (قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ). أي فاقرأوها ؛ هل تجدون فيها تحريم كلّ ذي ناب وظفر وتحريم شحوم البقر والغنم وغير ذلك ممّا حرّم الله عليكم من الطيّبات بعد نزول التوراة بظلمكم وبغيكم ، كما قال تعالى : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ)(١).
فأبوا أن يأتوا بالتوراة خوفا من الفضيحة لعلمهم بصدق النّبي صلىاللهعليهوسلم فأنزل الله تعالى قوله تعالى : (فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٩٤)) ؛ أي من اختلق على الله الكذب بأن ينزّل عليه ما لم ينزّله في كتاب من بعد ذلك ، يقال من بعد قيام الحجّة عليه : فأولئك هم الظّالمون لأنفسهم.
__________________
(١) النساء / ١٦٠.