عبد العزيز أنه كان يشتري أعدال السّكّر فيتصدّق بها ، فقيل له : هلّا تصدّقت بثمنه؟ فقال : (لا ؛ لأنّ السّكّر أحبّ إليّ ؛ فأردت أن أنفق ممّا أحبّ) (١).
وروي : أنّ سائلا وقف على باب الرّبيع بن خيثم ؛ فقال : أطعموه سكّرا ، فقيل له : ما يصنع بالسّكّر؟ هلّا تطعمه خبزا أنفع له؟ قال : ويحكم! أطعموه سكّرا فإنّ الربيع يحبّ السّكّر. ووقف سائل على باب الربيع في ليلة باردة ؛ فخرج إليه فرآه كأنه مقرور (٢) ، فقال : لن تنالوا البرّ حتّى تنفقوا ممّا تحبّون ، فنزع برنسا فأعطاه إيّاه.
قوله عزوجل : (وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ (٩٢)) ؛ أي ما تتصدّقوا من صدقة فإنّ الله بها وبزيادتكم عليم يجزيكم على ذلك في الآخرة.
قوله تعالى : (كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ) ؛ قال ابن عباس : (معناه : كلّ الطّعام الحلال اليوم وهو ما سوى الميتة والدّم ولحم الخنزير كان حلّا لبني يعقوب عليهالسلام من قبل أن تنزّل التّوراة على موسى عليهالسلام ؛ إلّا الطّعام الّذي حرّمه يعقوب على نفسه ؛ وهو لحم الإبل وألبانها) (٣).
وذلك أنّ يعقوب عليهالسلام كان يمشي إلى بيت المقدس فلقيه ملك من الملائكة وهو خلف الأثقال ، فظنّ يعقوب أنه لصّ ؛ فعالجه ليصارعه فكان كذلك حتى أضاء الفجر ، فضمّر الملك فخذ يعقوب فهاج به عرق النّسا ، فصعد الملك إلى السّماء ، وجاء يعقوب يعرج حتى لحق الأثقال ؛ فكان يبيت الليل ساهرا من وجعه وينصب نهاره ، فأقسم لئن شفاه الله ليحرّمنّ أحبّ الطعام والشراب على نفسه ؛ فشفاه الله من ذلك ،
__________________
(١) ذكره القرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ج ٤ ص ١٣٣ ، وذكر عن ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما أيضا. في الدر المنثور : ج ٢ ص ٢٦٢ ؛ قال السيوطي : «أخرجه ابن المنذر عن نافع عن ابن عمر».
(٢) القرّ : البرد عامّة ، واقترّ بالماء البارد : اغتسل ، والقرور : الماء البارد يغتسل به ، كأنه أراد أنه مبلول بالماء البارد ، ماء المطر والشتاء.
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان : الرقم (٥٨٥٧) بلفظ آخر.