وأمّا دخول الواو في قوله : (وَلَوِ افْتَدى بِهِ) ؛ فقال بعضهم : هي زائدة. وقال الزجّاج : (ليست بزائدة ؛ وإنّما هي لتعميم النّفي لوجوه القبول ، ولو لم تكن واوا لأوهم الكلام ؛ لأنّ ذلك لا يقبل في الإفتداء ، ويقبل على غير وجه الإفتداء).
قوله تعالى : (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) ؛ أي أهل هذه الصّفة لهم عذاب وجيع في الآخرة ، (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٩١)) ؛ أي من مانع يمنعهم من العذاب.
قوله تعالى : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) ؛ قال ابن عبّاس : (معناه : لن تنالوا الجنّة) ، وقال عطاء : (لن تنالوا الطّاعة). وقال أبو روق : (معناه : لن تنالوا الخير) ، وقال مقاتل : (لن تنالوا التّقوى) ، وقال الحسن : (لن تكونوا أبرارا حتّى تتصدّقوا ممّا تحبّون من الأموال ؛ أي من كرائم أموالكم وأحبها إليكم ، طيّبة بها أنفسكم ؛ صغيرة في أعينكم) (١) ، وقال مجاهد والكلبيّ : (هذه الآية منسوخة ؛ نسختها الزّكاة). وروى الضحّاك عن ابن عبّاس : (أراد بهذه الآية : حتّى تخرجوا زكاة أموالكم) ، وقال عطاء : (معناه : لن تنالوا شرف الدّين والتّقوى حتّى تتصدّقوا وأنتم أصحّاء تأملون الغنى وتخشون الفقر). ويقال : معناه : لن تبلغوا حقيقة التوكّل والتقوى حتى تخرجوا زكاة أموالكم طيبة بها أنفسكم.
وذهب أكثر المفسّرين إلى أنّ المقصود من هذه الآية : الحثّ على صدقة النّفل والفرض بأبلغ وجوه القرب ؛ لأن قوله : (مِمَّا تُحِبُّونَ) يدلّ على المبالغة فيه. روي عن عبد الله بن عمر : أنّه اشترى جارية كان يهواها ، فلمّا ملكها أعتقها ولم يصب منها ، فقيل له في ذلك ، فقال : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)(٢). وعن عمر بن
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٥٨٣٨).
(٢) في الجامع لأحكام القرآن : ج ٤ ص ١٣٢ ـ ١٣٣ ذكر القرطبي : «وأعتق ابن عامر نافعا ؛ وكان أعطاه فيه عبد الله بن جعفر ألف دينار. قالت صفية بنت أبي عبيد : أظنه تأول قول الله عزوجل : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) وروى شبل بن أبي نجيح عن مجاهد قال : كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري أن يبتاع له جارية من سبي جلولاء يوم فتح مدائن كسرى ؛ فقال سعد بن أبي وقاص : فدعا بها عمر فأعجبته ، فقال : إن الله عزوجل قال : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ). فأعتقها عمر رضي الله عنه.