الله ألقاها إلى مريم ؛ ولم يكن بوالد. قوله تعالى : (اسْمُهُ الْمَسِيحُ) إنّما ذكر بلفظ التذكير ؛ لأنّ معنى الكلمة الولد فلذلك لم يقل اسمها.
واختلفوا في تسميته مسيحا ، قال ابن عبّاس : (المسيح : الممسوح بالبركة) (١) فالمسيح فعيل بمعنى مفعول ، وقال بعضهم : سمّي مسيحا بمعنى الماسح ، كان يمسح على ذوي العلل فيبرؤن. وقيل : إنه كان يمسح الأرض مسحا ولا يطوفها ؛ أي يسيح فيها ، وقيل : إنه خرج من بطن أمّه ممسوحا بالدّهن. وقيل : مسحه جبريل بجناحيه من الشّيطان حتى لا يكون للشيطان عليه سبيل.
وقال الكلبيّ : (المسيح : الملك الّذي لا حاجة له إلى أحد من المخلوقين). روي عن ابن عبّاس أنه عليهالسلام كان يقول : (الشّمس ضياء والقمر سراج) وإنّه كان يقول : (الشّمس سراجي والقمر ضيائي) ، ويقول : (البرّيّة طعامي ، أبيت حيث يدركني اللّيل ، ليس لي ولد يموت ولا دار تخرب ولا مال يسرق ، أصبح ولا غداء لي ، وأمسي ولا عشاء لي ، وأنا من أغنى النّاس).
قوله تعالى : (وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) ؛ أي ذا قدر ومنزلة في الدنيا عند أهلها ، وفي الآخرة عند ربه ، والوجيه الذي لا يردّ قوله ، ولا مسألته. قوله تعالى : (وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٥)) ، أي من المقرّبين إلى ثواب الله في جنّة عدن وهي الدرجة العليا ، والتقرّب إلى الله تقرّب إلى ثوابه.
قوله تعالى : (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ) ؛ أي في مضجع الرّضاع. قال مجاهد : (قالت مريم : كنت إذا خلوت أنا وعيسى حدّثته وحدّثني ، فإذا شغلني إنسان ؛ يسبح في بطني وأنا أسمع) (٢).
قوله تعالى : (وَكَهْلاً) ؛ أي يكلّم الناس بعد ما دخل في السنّ ؛ يعني قبل أن يرفع إلى السماء. وقال الحسن : (وكهلا أي بعد نزوله من السّماء). قوله تعالى : (وَمِنَ الصَّالِحِينَ (٤٦)) ؛ أي ومن المرسلين.
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٥٥٥٩) عن سعيد.
(٢) في الباب في علوم الكتاب : ج ٥ ص ٢٣١ ؛ ذكره ابن عادل.