عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(١) أراد طهارة الإيمان والطاعات ، وقيل : معناه : وطهّرك من الأدناس كلّها ؛ من الحيض والنّفاس وغير ذلك.
وقوله تعالى : (وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ) أي اختارك على أهل زمانك بولادة عيسى من غير أب. وقيل : معنى الآية : وطهّرك من مسيس الرّجل.
فإن قيل : كيف يجوز ظهور الملائكة لمريم وذلك معجزة لا يجوز ظهورها على غير نبيّ ، ومريم لم تكن نبيّا؟ قيل : لأنّها وإن لم تكن نبيا ؛ فإنّ ذلك كان في وقت زكريّا عليهالسلام ، ويجوز ظهور المعجزات في زمن الأنبياء عليهمالسلام لغيرهم ، ويكون ذلك معجزة له. وقيل : كان ذلك إلهاما لنبوّة عيسى ، كما كانت الشّهب وتظليل الغمام وكلام الذّئب إلهاما لنبوّة نبيّنا صلىاللهعليهوسلم.
قوله عزوجل : (يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي) ؛ أي اخلصي لعبادة ربك ، وقيل : أديمي الطاعة لذلك ، وقيل : أطيلي القيام في الصلاة. وقيل : معنى قوله تعالى : (وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣)) ؛ أي صلّي مع الجماعة في بيت المقدس ؛ لأنّها كانت تخدم المسجد.
وفي الآية دليل على أن الواو لا توجب الترتيب ؛ لأن الركوع مقدّم على السجود في المعنى ؛ وقد تقدّم السجود في هذه الآية في اللغة.
قوله عزوجل : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٤٤)) ؛ أي ذلك ما قصصناه عليك يا محمّد من أمر زكريّا ويحيى ومريم وعيسى من أخبار ما غاب عنك نرسل جبريل به ، وما كنت عندهم يا محمّد إذ يطرحون أقلامهم في نهر أيّهم يضمّ مريم للقيام بأمرها وما كنت عندهم إذ يختصمون في أمرها للتربية.
قوله عزوجل : (إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) ؛ أي إعلم واذكر (إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ) يعني جبريل (يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ) يعني عيسى عليهالسلام سمّاه كلمة ؛ لأنه كان بكلمة من
__________________
(١) الاحزاب / ٣٣.