ويدلّ عليه قوله : (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا)(١) ولم يقل أولياء ، وإنّما أتت (طيّبة) لأنه على لفظ ذرية كما قال الشاعر (٢) :
أبوك خليفة ولدته أخرى |
|
وأنت خليفة ذاك الكمال |
فأنّث (ولدته) لتأنيث الخليفة.
قوله تعالى : (إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ) أي سامع الدعاء ومجيّبه ، وقولهم : (سمع الله لمن حمده) أي أجاب ، وأنشد :
دعوت الله حتّى خفت أن لا |
|
يكون الله يسمع ما أقول |
قوله عزوجل : (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى) ؛ قرأ الأعمش وحمزة والكسائيّ وخلف وقتادة : (فناداه) ، وقرأ الباقون : (فنادته) ، وإذا تقدّم الفعل فأنت فيه بالخيار ؛ إن شئت أنّثت ؛ وإن شئت ذكّرت.
ومعنى الآية : فناداه جبريل عليهالسلام وهو قائم يصلّي في المسجد بأنّ الله يبشّرك بولد اسمه يحيى. والمراد بالملائكة هنا جبريل وحده ؛ ونظيره قوله تعالى : (وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ)(٣) يعني جبريل وحده ، وقوله : (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ) (٤) يعني جبريل وحده ، (بالرّوح) أي بالوحي ، يدلّ عليه قراءة ابن مسعود : (فناداه جبريل وهو قائم يصلّي في المحراب).
وقوله تعالى : (أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ) قرأ ابن عامر والأعمش وحمزة : (إنّ الله) بكسر الألف على إضمار القول ؛ تقديره : فنادته الملائكة فقالت : إنّ الله ، لأنّ النداء قول ، وقرأ الباقون بالفتح بوقوع النّداء عليه كأنّه قال : فنادته الملائكة بأنّ الله. قوله تعالى :
__________________
(١) هو من شواهد الفراء في معاني القرآن ، وفيه (ذاك الكمال) بدل (زاكي الكمال). وذكره صاحب اللسان : مادة (خلف) ؛ قال : «الخليفة السلطان الأعظم ؛ وقد يؤنث» وأنشد الفراء .... البيت ، قال : «فقال أخرى ، لتأنيث اسم الخليفة ، والوجه أن يقول : ولده آخر». معاني القرآن للفراء : ج ١ ص ٢٠٨.
(٢) آل عمران / ٤٢.
(٣) النحل / ٢.