وكافل اليتيم كهاتين ، وأشار بإصبعيه](١) وكان عمران قد مات و (حنّة) حاملة بمريم. قرأ الحسن ومجاهد وابن كثير وشيبة ونافع وعاصم وأبو بكر وابن عامر : (وكفلها زكريّا) مخفّفا ، وزكريّا في موضع رفع ؛ أي ضمّها إلى نفسه ، وتصديق هذه القراءة قوله تعالى : (أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ)(٢). وروي عن ابن كثير : (وكفلها زكريّا) بكسر الفاء ؛ أي ضمّها ، وقرأ الباقون : (وكفّلها) بالتشديد وزكريّا بالنصب ؛ أي ضمّها الله زكريّا فضمّها إليه بالقرعة ، وفي مصحف أبيّ : (وأكفلها) بالألف.
وكان زكريّا وعمران تزوّجا أختين ؛ فكانت إشياع بنت فاقود أخت حنّة عند زكريّا ، وكانت حنّة بنت فاقود أمّ مريم عند عمران.
قال المفسّرون : فلما وضعت حنّة مريم لفّتها في خرقة وحملتها إلى المسجد فوضعتها عند الأحبار أبناء هارون عليهالسلام وهم يومئذ يلون من بيت المقدس ما يلي الحجبة (٣) من الكعبة ، فقالت لهم : دونكم هذه النّذيرة ؛ فتنافس فيها الأحبار لأنّها كانت بنت إمامهم ، فقال لهم زكريّا عليهالسلام : أنا أحقّ بها لأنّ خالتها عندي ، فقالت له الأحبار : لا تفعل ؛ فإنّها لو تركت لأحقّ الناس بها لتركت لأمّها ، ولكنّا نقرع عليها فتكون عند من خرج سهمه.
قوله عزوجل : (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٧) هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ (٣٨)) ؛ أي عندما رأى زكريّا أمر الله في مريم طمع أنّ الذي يأتي مريم بالفاكهة في الشّتاء يصلح له عقر زوجته ، فدعا عند ذلك وقال : (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً) (٤) أي ولدا صالحا ، والذّرّيّة تكون واحدا وجمعا ؛ ذكرا أو أنثى ، وهو ها هنا واحد ،
__________________
(١) الحديث عن سهل بن سعد ؛ أخرجه الإمام أحمد في المسند : ج ٥ ص ٣٣٣. والبخاري في الصحيح : كتاب الطلاق : باب اللعان : الحديث (٥٣٠٤) ، وله طرق أخرى عن عائشة وأبي هريرة وأبي أمامة وغيرهم.
(٢) آل عمران / ٤٤.
(٣) الحجبة : الذين يدلّون الناس أركان الكعبة وأماكنها.