والمحبّة : في الحقيقة هي الإرادة ، وهو أن تريد نفع غيرك فيبلغ مراده في نفعك إيّاه ، وأما العشق : وهو إفراط المحبّة في هذا المعنى. وأما محبّة الطعام والملاذ ؛ فهو شهوة وتوقان النفس. وأما محبّة العباد لله تعالى ، فالله يستحيل عليه المنافع ، فلا يصحّ أن يراد بمحبه هذه الطريقة لكي يراد بها إعظامه وإجلاله وطاعته ومحبّة رسله وأوليائه ، ومحبّة الله إيّاهم إثابته إياهم على طاعتهم ؛ وإنعامه عليهم ؛ وثناؤه عليهم ؛ ومغفرته لهم.
ومعنى الآية : إن كنتم تحبّون طاعة الله والرضا بشرائعه فاتّبعوني على ديني يزدكم الله حبّا ، (وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) ؛ في اليهوديّة ؛ (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣١)).
وروى الضحّاك عن ابن عبّاس وقال : وقف النّبيّ صلىاللهعليهوسلم على قريش وهم في المسجد الحرام وقد نصبوا أصنامهم ، وعلّقوا عليها بيض النّعام ، وجعلوا في آذانها الشّنوف (١) وهم يسجدون لها ، فقال صلىاللهعليهوسلم : [يا معشر قريش ؛ والله لقد خالفتم ملّة أبيكم إبراهيم] وقالت قريش : إنّما نعبد هذه حبّا لله ليقرّبونا إلى الله زلفى ؛ فأنزل الله هذه الآية). أي قل لهم يا محمّد صلىاللهعليهوسلم إن كنتم تحبّون الله فاتّبعوني يحببكم الله ، فأنا رسول الله إليكم ، وحجّته عليكم ، وأنا أولى بالتعظيم من أصنامكم. فلما نزلت هذه الآية عرضها عليهم فلم يقبلوا (٢).
وقيل : لمّا نزلت هذه الآية عرضها رسول الله صلىاللهعليهوسلم على اليهوديّ ، فقال عبد الله بن أبي سلول : إنّ محمّدا صلىاللهعليهوسلم يجعل طاعته كطاعة الله ، ويأمرنا أن نحبّه كما أحبّت النّصارى عيسى عليهالسلام ؛ فأنزل الله تعالى قوله عزوجل : (قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (٣٢)) ؛ أي فإن لم يفعلوا ما
__________________
(١) الشّنف : الذي يلبس في أعلى الأذن ، بفتح الشين ، ولا تقل : شنف ، الذي في أسفلها القرط.
لسان العرب لابن منظور : ج ٧ ص ٢١٤.
(٢) في أسباب النزول : ص ٦٦ ؛ نقل الواقدي قال : «عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس : ... وساقه ، وفيه : [لقد خالفتم ملّة أبيكم إبراهيم وإسماعيل ، ولقد كان على الإسلام]».