قوله تعالى : (قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ) ؛ أي قل إن تسرّوا ما في قلوبكم من التكذيب بالنبيّ صلىاللهعليهوسلم والعداوة للمؤمنين والمودّة للكافرين أو تظهروه بالشّتم والطّعن والحرب يعلمه الله فيجازيكم عليه ، وإنّما ذكر الصّدر مكان القلب ؛ لأنه مشتمل على القلب.
قوله تعالى : (وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ؛ أي لا يخفى عليه شيء من عمل أهل السموات وأهل الأرض ، فلا يغرنّكم الإخفاء ، فإن الإخفاء والإبداء عنده سواء. قوله تعالى : (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٩)) ؛ أي على جزاء عمل السرّ والعلانية قادر.
قوله تعالى : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً) ؛ نصب (يَوْمَ) بنزع الخافض لأن أوّل هذه الآية منصرف إلى قوله : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) في : (يَوْمَ تَجِدُ) ، وقيل : بإضمار فعل ؛ أي اذكروا (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً) أي حاضرا مكتوبا في ديوانهم لا يقصر فيه. وقرأ عبيدة بن عمر (محضرا) بكسر الضاد ، ويعني عمله يحضره الجنة.
قوله تعالى : (وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) ؛ أي والذي عملت من سوء يتمنّى أن يكون بينه وبين ذلك أجل طويل بعد ما بين المشرق والمغرب ، ليته لم يعمل ، جعل بعضهم (ما) جزاء في موضع النّصب واعمل فيه الوجود أي وتجد عملها ، وجعل بعضهم جزاء مستأنفا.
قوله تعالى : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (٣٠)) ؛ أي رحيم بالمؤمنين خاصّة ؛ هكذا قال ابن عبّاس ، وقيل : إن أول هذه الآية عدل ، وأوسطها تهديد وتخويف ، وآخرها رأفة ورحمة.
قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) ؛ لمّا نزلت الآيات المتقدّمة قالت اليهود : نحن أبناء الله واحبّاؤه ، وإنّما يقول الله مثل هذه الآيات في أعدائه ، وأرادوا بقوله أحبّاؤه : نحبّه ويحبّنا ؛ فأنزل الله هذه الآية.