تدعوهم إليه من إتّباعك وطاعة أمرك فإنّ الله تعالى لا يحبّ الكافرين ؛ أي لا يغفر لهم ولا يثني عليهم.
فلما نزلت هذه الآية قالت اليهود : نحن أبناء إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهمالسلام ونحن على دينهم ، فأنزل الله قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٣)) ؛ معناه : أنّ الله اصطفاهم بالإسلام ، وإنّ آدم كما لم ينفع أولاده المشركين كذلك سائر الأنبياء عليهمالسلام لا ينفعونهم. وصفوة الله : هم الذين لا دنس فيهم بوجه من الوجوه ؛ لا في اعتقاد ولا في الفعل ، والاصطفاء : هو الاختيار ، والصّفوة : هو الخالص من كلّ شيء ، فمعناه : (اصْطَفى آدَمَ) أي اختاره واستخلصه.
واختلفوا في آل عمران في هذه الآية ؛ قيل : أراد بهم موسى وهارون عليهماالسلام ، وقيل : أراد مريم عليهاالسلام.
قوله تعالى : (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) ؛ إنتصب على البدل ، وقيل : على التّكرار ، واصطفى ذريّة بعضها من بعض ، وقيل : على الحال ؛ أي اصطفاهم حال كون بعضهم من بعض ، (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٣٤)) ؛ أي سميع لقولهم ؛ عليم بهم وبمجازاتهم.
قوله تعالى : (إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٥)) ؛ قال أبو عبيد : (إذ) زائدة في الكلام وكذلك في سائر الآي). وقال جماعة من النحويّين : معناه : واذكر إذ قالت ، وكان اسم امرأة عمران (حنّة) وهي أمّ مريم ، وكان لها إبنان احداهما انشاع ؛ وعمران بن ماثان ؛ بينه وبين عمران أبي موسى عليهالسلام ألف وثمانمائة سنة.
قوله تعالى : (رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً) أي أوجبت لك على نفسي أن أجعله عتيقا لخدمة بيت المقدس ، وكانوا يحرّرون أولادهم أي يعتقونها عن أسباب الدّنيا ، يجعلون الولد خالصا لله ، لا يستعملونها في منافعهم ، ولم يكونوا يحرّرون إلّا الذّكران ، وكان المحرّرون سكان بيت الله يتعهّدونه ويكسونه ، فإذا بلغوا خيّروا ؛ فإن أحبّوا أقاموا في البيت ، وإن أحبّوا ذهبوا. و (مُحَرَّراً) نصب على الحال.