والرّضى بالكفر كفر ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [أنا برئ من كلّ مسلم مع مشرك](١).
قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) ؛ أي إلّا أن يحصر المؤمن في أيدي الكفّار يخاف على نفسه فيداهنهم فيرضيهم بلسانه وقلبه مطمئنّ بالإيمان فهو مرخّص له في ذلك ، كما روي : أنّ مسيلمة الكذاب لعنه الله أخذ رجلين من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ فقال لأحدهما : أتشهد أنّ محمّدا رسول الله؟ قال : نعم ، وقال للآخر : أتشهد أنّ محمّدا رسول الله؟ قال : نعم ، قال : أتشهد أنّي رسول الله؟ قال : إنّي أصمّ ، فأعاد عليه السّؤال ثلاثا ، فأجاب في كلّ مرّة هذا الجواب ، فضرب مسيلمة عنقه ، فبلغ ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : [أمّا المقتول فمضى على صدقه ويقينه فهنيئا له ، وأمّا الآخر فقبل رخصة الله فلا تبعة عليه](٢).
فمعنى الآية : إلّا أن تخافوا منهم مخافة. قرأ الحسن والضحّاك ومجاهد : (تقيّة). وقرأ حمزة والكسائيّ بالإمالة. وقرأ الباقون بالتفخّم ، فكلّ ذلك لغات فيها ، ومعناه واحد.
قوله تعالى : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) ؛ أي يخوّفكم عقوبته وبطشه على موالاة الكفّار وارتكاب المنهيّ عنه. وقال الزجّاج : (معناه : ويحذّركم الله إيّاه). وخاطب الله العباد على قدر عملهم وعقلهم ، ومعنى قوله تعالى : (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي)(٣) أي تعلم حقيقة ما عندي ولا أعلم حقيقة ما عندك. قوله تعالى : (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ (٢٨)) ، زيادة في الإبعاد وتذكير بالمعاد ؛ أي إن فعلتم ما نهيتكم عنه فمرجعكم إليّ.
__________________
(١) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير : ج ٤ ص ١١٤ : الحديث (٣٨٣٦). والبيهقي في السنن الكبرى : كتاب القسامة : باب ما جاء في وجوب الكفارة في أنواع القتل الخطأ : الحديث (١٦٩٣٨). وفي مجمع الزوائد : ج ٥ ص ٢٥٣ ؛ قال الهيثمي : «رواه الطبراني ورجاله ثقات».
(٢) ذكره أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي في مجمع البيان في تفسير القرآن : المجلد الأول : ص ٤٢٩ ـ ٤٣٠. وقف على تصحيحه فئة من أفاضل العلماء ، عني بطبعه أحمد عارف الزّين ، مطبعة العرفان ـ صيدا ، سنة ١٣٣٣ ه. وفي اللباب في علوم الكتاب : ج ٥ ص ١٤٤ ، ذكره عن الحسن.
(٣) المائدة / ١١٦.