قوله تعالى : (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ) ؛ أي فإن خاصموك يا محمّد في الدّين ؛ فقل : انقدت لله وحده بلساني وجميع جوارحي ، وإنّما خصّ الوجه لأنه أكرم جوارح الإنسان وفيه بهاؤه وتعظيمه ، فإذا خضع وجهه لشيء فقد خضع له سائر جوارحه التي دون الوجه. قال الفرّاء : (معناه : أخلصت عملي لله ، والوجه العمل).
قوله تعالى : (وَمَنِ اتَّبَعَنِ) في موضع رفع عطفا على إنّي أسلمت ؛ أي أسلمت ومن اتّبعني أسلم أيضا كما أسلمت ، والأصل إثبات الياء في (تبعني) لكن حذفت للتخفيف.
قوله تعالى : (وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ) ؛ الذين أوتوا الكتاب هم اليهود والنصارى ؛ والأمّيّون مشركو العرب ؛ أي قل لهم أخلصتم كما أخلصنا ، (فَإِنْ أَسْلَمُوا) اخلصوا ؛ (فَقَدِ اهْتَدَوْا) ؛ من الضلال ؛ (وَإِنْ تَوَلَّوْا) ؛ عن الإسلام وقالت النّصارى المسيح ابن الله ، وقالت اليهود عزير ابن الله ؛ (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ) ؛ بالرّسالة.
قوله تعالى : (وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (٢٠)) ؛ أي عالم بمن يؤمن ومن لا يؤمن ، لا يفوته شيء من أعمالهم التي يجازيهم بها.
قال الكلبيّ : (لمّا نزلت هذه الآية ذكر ذلك لهم النّبي صلىاللهعليهوسلم ؛ فقال أهل الكتاب : أسلمنا ، قال النّبيّ صلىاللهعليهوسلم لليهود : [تشهدون أنّ عيسى كلمة الله وعبده ورسوله؟] قالوا : معاذ الله ؛ ولكنّه ابن الله. فذلك قوله تعالى : (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ). (وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) أي عليم بصير بمن يؤمن وبمن لا يؤمن ؛ وبأهل الثّواب وبأهل العقاب.
فإن قيل : قوله : (وَمَنِ اتَّبَعَنِ) عطف على المضمر في قوله : (أَسْلَمْتُ) والعرب لا تعطف الظاهر على المضمر؟ قيل : إنّما لا تعطف إذا لم يكن بين الكلامين فاصل ، أمّا إذا كان بينهما فاصل جاز.