قوله (أَسْلَمْتُ) لفظه استفهام ومعناه أمر ؛ أي أسلموا كقوله تعالى : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)(١) أي انتهوا.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٢١)) ؛ معناه : إنّ الذين يجحدون بآيات الله وهم اليهود والنصارى. (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ) قرأ الحسن (ويقتّلون) بالتشديد فهما على التكثير ، وقرأ حمزة (ويقاتلون الّذين يأمرون).
وفي إضافتهم قتل الأنبياء هؤلاء الّذين كانوا على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم قولان ؛ أحدهما : رضاهم بقتل من سلف منهم النبيين نحو قتلهم زكريّا ويحيى ، والثاني : أنّ هؤلاء قاتلوا النبيّ صلىاللهعليهوسلم وهمّوا بقتله كما قال الله تعالى : (إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ)(٢) ، وقرأ بعضهم : (يقاتلون النّبيّين بغير حقّ).
وعن أبي عبيدة بن الجرّاح رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ أيّ النّاس أشد عذابا يوم القيامة؟ قال : [رجل قتل نبيّا أو رجلا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر] ثمّ قرأ هذه الآية ؛ ثمّ قال : [يا أبا عبيدة ؛ قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبيّا من أوّل النّهار في ساعة واحدة ، فقام مائة رجل واثنا عشر رجلا من عبّاد بني اسرائيل ؛ فأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر فقتلوهم جميعا في آخر النّهار من ذلك اليوم] فهم الذين ذكرهم الله في كتابه وأنزل فيهم الآية (٣).
قوله تعالى : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) أي أخبرهم بعذاب وجيع يخلص وجعه إلى قلوبهم.
قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) ، أي أهل هذه الصّفة بطلت حسناتهم فلا يستحقّون الثناء عليها في الدّنيا ، ولا يستحقون
__________________
(١) المائدة / ٩١.
(٢) الانفال / ٣٠.
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان : تفسير الآية (٢٢) من سورة آل عمران : النص (٥٣٣٢). وفي مجمع الزوائد : ج ٧ ص ٢٧٢ ؛ قال الهيثمي : «رواه البزار وفيه ممن لم أعرفه اثنان».