بالله وفوّض أمرك إليه ، (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً (٨١)) ؛ أي حافظا ، والوكيل : هو العالم بما يفوّض إليه من التدبير.
قوله عزوجل : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) ؛ أي أفلا يتفكّرون في القرآن أنه يشبه بعضه بعضا ويصدّق بعضه بعضا ، وأنّ أحدا من الخلائق لا يقدر على مثله ، فيعلمون أنه حقّ ويعلمون أنه من عند الله ، (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (٨٢)) ؛ أي تعارضا وتباينا وبعضه بليغا وبعضه ساقطا.
قوله تعالى : (وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ) ؛ يعني المنافقين كانوا إذا أتاهم خبر من أمر السّرايا الذين بعثهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم من ظفر ودولة وغنيمة ؛ أو أتاهم عنهم خبر نكبة أو هزيمة أفشوا ذلك الخبر ، وأظهروه قبل أن يحدّث به رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليحذر بخبر الظّفر من ينبغي أن يحذر من الكفّار ويقوى بخبر هزيمة المسلمين قلب من كان يبتغي نكبة المسلمين منهم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
ومعناه : اذا جاء المنافقين (أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ) ؛ يعني الغنيمة والفتح ، (أَوِ الْخَوْفِ) أي الهزيمة والقتل (أَذاعُوا بِهِ) ؛ أي أشاعوه وأفشوه ، (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ) ؛ أي لم يتحدّثوا به ولم يفشوه حتى يكون النبيّ صلىاللهعليهوسلم هو الذي يتحدّث به. والمعنى : لو تركوا أمر السّرايا والعسكر إلى النّبيّ صلىاللهعليهوسلم وإلى أولي الأمر من المؤمنين وهم : أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ وأكابر الصّحابة حتى يكونوا هم الذين يفشونه ، (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) ؛ يطلبون الخبر ويستخبرونه من النبيّ صلىاللهعليهوسلم وأكابر الصّحابة أن ذلك الخبر صحيح أم لا.
قال الكلبيّ : (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) أي يتّبعونه. وقال عكرمة : (يسألون عنه ؛ أي لو تركوا إذاعته حتّى يتحدّث به النّبيّ لعلمه الّذين يسألون عنه). وقال القتيبيّ : (لعلمه الّذين يستخرجونه ، يقال : استنبطت الماء إذا أخرجته).
قوله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) ؛ أي لو لا ما أنزل الله عليكم من القرآن ، وبيّن لكم الآيات على لسان نبيّه صلىاللهعليهوسلم ، (لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلاً (٨٣)) ؛ أي كان أقلّكم ينجوا من الكفر ، والمراد بالفضل ها هنا النبيّ صلىاللهعليهوسلم