واستدلّ أهل القدر بهذه الآية قالوا : إنّ الحذر ينفع ويمنع عنكم مكايدة العدوّ ، وإلّا لم يكن لأمره تعالى آتاهم بالحذر ، معناه : فيقال لهم الائتمار بأمر الله والإنتهاء بنهيه واجب عليهم ؛ لأنّهم به يسلمون من معصية الله تعالى ؛ لأن المعصية ترك الأوامر والنواهي. وليس في الآية دليل على أن حذرهم ينفع من القدر شيئا ، بل المراد منه طمأنينة النفس لا أنّ ذلك يدفع القدر.
قوله تعالى : (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ) ؛ أي ممّن أظهر الإيمان ليتشاغلنّ عن الجهاد ، ويثقلنّ غيره وهو عبد الله بن أبيّ وجدّ بن قيس ، وأصحابهما من المنافقين الذين كانوا يشاركون المسلمين في ظاهر الإسلام كانوا ينتظرون هلاك المسلمين وهزيمتهم ويتثاقلون عن الجهاد ، يقال : أبطأ الرجل اذا تأخّر عن العمل بإطالة المدّة.
قوله تعالى : (فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً (٧٢)) ؛ أي إن أصابتكم نكبة أو هزيمة أو قتل ، قال هذا المبطئ : قد منّ الله عليّ إذ لم أكن معهم حاضرا في تلك الغزوة فيصيبني مثل الذي أصابهم.
قوله تعالى : (وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللهِ) ؛ أي وإن أصابكم أيّها المؤمنون ظفر وغنيمة ، (لَيَقُولَنَّ) ؛ هذا المبطئ نادما ، (كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ) ؛ في الغزو فأصيب حظّا وافرا وغنائم كثيرة.
قوله تعالى : (كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ)) ؛ قال بعضهم : هو معرض بين اليمين وما قبله ؛ تقديره : ولئن أصابكم فضل من الله ليقولنّ يا ليتني كنت معهم ، (فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً (٧٣)) ؛ كأن لم يكن بينكم وبينه مودّة ؛ أي يتمنّى أن ينال من غير أن يريد الجهاد والقتال ، وقيل : هو متصل بقوله (قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً) كأن لم يكن بينكم وبينه مودّة ؛ أي صلة في الدّين ومعرفة في الصّحبة ، كأنه لم يعاقدكم قبل أن يجاهد معكم.
ثمّ أمر الله تعالى كلّ من عقد الإيمان بالقتال ؛ فقال عزوجل : (فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ) ؛ أي ليقاتل في طاعة الله ورضائه الذين يبيعون الحياة الدّنيا بالآخرة وهم المؤمنون. وقيل : معناه : إنّ الخطاب للمبطئين ؛ ومعنى (يَشْرُونَ): يختارون الحياة الدّنيا على الآخرة. وهذا اللفظ