يوصف بأنه ردّ إلى الكتاب ، وإنّما يقال : هو اتّباع للنّصّ ، وغير العلماء لا يعلمون كيفيّة الردّ إلى الكتاب والسّنة ولا دلائل الأحكام ، والجواب قوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) ؛ دليل على أن الإيمان اتّباع الكتاب والسّنة والإجماع.
قوله تعالى : (ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (٥٩)) ؛ أي ردّ الخلاف إلى الله والرسول خير من الإصرار على الاختلاف وأحسن عاقبة لكم ، ويقال : أحسن تأويلا من تأويلكم الذي تؤوّلونه من غير ردّ ذلك إلى الكتاب والسّنة. وعن عمر رضي الله عنه أنه قال : (الرّجوع إلى الحقّ خير من التّمادي في الباطل).
قوله عزوجل : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) ؛ الآية. قال الكلبيّ : (نزلت في رجل من المنافقين يقال له بشر ، كان بينه وبين يهوديّ خصومة ، فقال اليهوديّ : انطلق نتحاكم إلى محمّد ـ لأنّه علم أنّه لا يقبل الرّشوة ولا يجوز في الحكم ـ. وقال المنافق : ننطلق إلى كعب بن الأشرف ـ وهو الّذي سمّاه الله الطّاغوت ـ فأبى اليهوديّ أن يخاصمه إلّا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فمضى معه المنافق إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقضى لليهوديّ ، فلمّا خرجا من عنده لزمه المنافق وقال : انطلق بنا إلى عمر رضى الله عنه فقال اليهوديّ : يا عمر ؛ اختصمت أنا وهذا إلى محمّد فقضى لي عليه فلم يرض بقضائه ، وزعم أنّه يخاصمني إليك ، فقال عمر للمنافق : أكذلك؟ قال : نعم ، قال : رويدكما حتّى أخرج إليكما ، فدخل عمر وأخذ السّيف واشتمل عليه ، ثمّ خرج إليهما ؛ فضرب به المنافق حتّى مات ؛ وقال : هكذا قضائي فيمن لم يرض بقضاء الله وقضاء رسوله ، وهرب اليهوديّ فنزلت هذه الآية. وقال جبريل : إنّ عمر فرّق بين الحقّ والباطل فسمّي الفاروق) (١).
__________________
(١) في الدر المنثور : ج ٢ ص ٥٨٥ ؛ قال السيوطي : «أخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن مكحول ، وفي لباب النقول في أسباب النزول : ص ٧٣ ؛ قال السيوطي : «وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي الأسود ... وذكره». وفي الدر المنثور : ج ٢ ص ٥٨٢ ؛ قال : «أخرجه الثعلبي عن ابن عباس». وفي اللباب : ج ٦ ص ٤٥٤ ؛ أورده عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس. وفي هامشه قال المحقق : وينظر تفسير البغوي : ج ١ ص ٤٤٦ وأورده القرطبي عن الكلبي في الجامع لأحكام القرآن : ج ٥ ص ٢٦٣.