وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ) ثم قذف الله الرّعب في قلوب الكفرة حتى انهزموا بكفّ من تراب أخذه رسول الله صلىاللهعليهوسلم فرماه في وجوههم وقال : [شاهت الوجوه](١).
ومن قرأ (ترونهم) بالتاء فهو خطاب لليهود ، يعني يرون كفار مكة قريشا والمؤمنين رأي العين ، فإن قيل لم قال (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ) ولم يقل قد كانت والآية مؤنّثة؟ قيل : لأنّه ردّها إلى البيان ؛ أي قد كان بيان ، فذهب إلى المعنى وترك اللّفظ.
قوله تعالى : (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ) قرأ أبو رجاء والحسن وشيبة ونافع ويعقوب بالتّاء ، وقرأ الباقون بالياء.
وقوله تعالى : (وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ) ؛ أي يقوّي ويشدد بقوّته من يشاء. وقوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ) (١٣) ؛ أي في غلبة المؤمنين للمشركين مع قلّة المؤمنين وشوكة المشركين ، (لعبرة) لذوي الأبصار في الدين ؛ أي لذوي بصارة القلوب ، ويجوز أن يكون معناه : لعبرة لمن أبصر الجيش الجمعين بعينه يومئذ ، وفي قوله تعالى : (فِئَةٌ) قراءتان ، من قرأها بالرفع فعلى معنى : إحداهما فئة تقاتل ، ومن قرأها بالخفض فعلى البدل من فئتين ، كما قال الشّاعر (٢) :
وكنت كذي رجلين رجل صحيحة |
|
ورجل رماها الدّهر بالحدثان |
قوله عزوجل : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ) ؛ بيّن الله بهذه الآية إنّ ما بسط للمشركين من زهرة الدّنيا وزينتها هو الذي يمنعهم من تصديق النبيّ صلىاللهعليهوسلم فيما يدعوهم إليه.
__________________
(١) رواه الطبراني في الكبير : ج ٣ ص ٢٠٣ : الحديث (٣١٢٨). وفي مجمع الزوائد ومنبع الفوائد : ج ٦ ص ٨٤ ؛ قال الهيثمي : «رواه الطبراني وإسناده حسن».
(٢) من شواهد الشعر قول كثير عزة (ت ١٠٥ ه(كما في كتاب سيبويه : ج ١ ص ٤٣٢ ـ ٤٣٣ :
وكنت كذي رجلين رجل صحيحة |
|
ورجل رمى فيها الزّمان فشلّت |
ومن الشواهد أيضا قول يزيد بن مفرغ الحميري (ت ٦٩ ه):
وكنتم كذي رجلين رجل صحيحة |
|
ورجل بها ريب من الحدثان |