وعن ابن عباس وقتادة أنّهما قالا : (لمّا أهلك الله قريشا يوم بدر ، جمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم اليهود بسوق بني قينقاع ، فدعاهم إلى الإسلام وحذرهم مثلما نزل بقريش من الانتقام ، فأبوا وقالوا : لسنا كقريش الأغمار الّذين لم يعرفوا القتال ولم يمارسوه ، لئن حاربتنا لنقتلنّ رجالا ، وتعرف البأس والشّدّة ، فأنزل الله هذه الآية) (١). قوله تعالى : (إِلى جَهَنَّمَ) اشتقاق جهنّم من الجهنام وهي البئر البعيدة القعر.
قوله عزوجل : (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ) ؛ أي قد كان لكم أيها اليهود عبرة ، ويقال : أيّها الكفار على صدق ما أقول لكم في فرقتين التقتا يوم بدر ؛ فرقة تقاتل في سبيل الله ؛ أي في طاعة الله وهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ، سبعة وسبعون رجلا من المهاجرين ، ومائتان وستّة وثلاثون من الأنصار ، وكان صاحب راية رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمهاجرين عليّ رضي الله عنه ، وصاحب راية الأنصار سعد بن عبادة ، وكان جملة الإبل التي في جيش رسول الله صلىاللهعليهوسلم يومئذ سبعين بعيرا ، والخيل فرسين ؛ فرس المقداد وفرس مرثد بن أبي مرثد ، وقيل : فرس عليّ ، وكان معهم من السّلاح ستة أدرع وثمانية سيوف ، وجميع من استشهد من المسلمين أربعة عشر رجلا ، ستّة من المهاجرين ، وثمانية من الأنصار.
قوله تعالى : (وَأُخْرى كافِرَةٌ) أي فرقة أخرى كافرة ؛ وهم كفار مكة سبعمائة وخمسون رجلا مقاتلين ، ورئيسهم يومئذ عتبة بن ربيعة ، وكانت خيلهم مائة فرس ، وكانت حرب بدر أوّل مشهد شهده رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
قوله تعالى : (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ) من قرأ بالياء ؛ فالمعنى ترى الفئة المؤمنة الفئة الكافرة مثليهم ظاهر العين ؛ أي ظنّ المسلمون أن المشركين ستمائة ونيّف ، وإنّهم يغلبوا المشركين كما وعدهم الله بقوله : (فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ)(٢) قلّل الله المسلمين في أعين المشركين ، والمشركين في أعين المسلمين حتى اقتتل الفريقان كما قال الله تعالى : (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٥٢٤١).
(٢) الأنفال / ٦٦.