وقال ابن عبّاس وعكرمة ومجاهد والضحّاك والسديّ : (معناه : كفعل آل فرعون وصنعهم في الكفر والتّكذيب) (١) يقول : كفرت اليهود بمحمّد ككفر آل فرعون والّذين من قبلهم. وقال الربيع والكسائيّ : (معناه : كشبه آل فرعون). وقال سيبويه : (الكاف في (كدأب) في موضع رفع ، فخبر المبتدأ تقديره : دأبهم كدأب آل فرعون).
قوله عزوجل : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١١)) ، أي قل يا محمّد للذين كفروا ستهزمون وتقتلون وتحشرون بعد الموت إلى جهنّم وبئس الفراش. قرأ يحيى بن وثّاب وحمزة والكسائيّ وخلف بالياء فيهما ، والباقون بالتّاء ، فمن قرأهما بالياء فعلى الإخبار عنهم أنّهم يغلبون ويحشرون ، ومن قرأها بالتّاء فعلى الخطاب ؛ أي قل لهم إنّكم ستغلبون وتحشرون.
واختلف المفسّرون في هؤلاء الكفّار ؛ فقال مقاتل : (هم كفّار مكّة ، ومعناه : قل لكفّار مكّة ستغلبون يوم بدر وتحشرون إلى جهنّم في الآخرة ، فلمّا نزلت هذه «الآية» قال النّبيّ صلىاللهعليهوسلم للكفّار يوم بدر [إنّ الله غالبكم وحاشركم إلى جهنّم]).
وقال الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عبّاس : (إنّ المراد بهم يهود المدينة ، وذلك أنّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم لمّا هزم الكفّار يوم بدر ، قالت اليهود : هذا والله النّبيّ الأمّيّ الّذي بشّرنا به موسى ونجده في التّوراة بنعته وصفته ، وإنّه لا تردّ له راية ، وأرادوا تصديقه واتّباعه ؛ فقال بعضهم لبعض : لا تعجلوا حتّى تنظروا إلى وقعة له أخرى ، فلمّا كان يوم أحد وغلب أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم قالوا : والله ما هو به ، فغلب عليهم الشّقاء فلم يسلموا ، وكان بينهم وبين رسول الله صلىاللهعليهوسلم عهد إلى مدّة فنقضوا ذلك العهد قبل أجله ، وانطلق كعب بن الأشرف في ستّين راكبا إلى أبي سفيان بمكّة ووافقوهم على أن تكون كلمتهم واحدة ، ثمّ رجعوا إلى المدينة ، فأنزل الله هذه الآية) (٢).
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : النصوص (٥٢٣٤ ـ ٥٢٣٩).
(٢) أسباب النزول للواحدي النيسابوري : ص ٦٢.