فمناط حكم العقل
اثنان ، فإن حكم على ألف بهذين المناطين فقد حكم على اثنين ، وبقوّته العمّالة
يحرّك نحو هذين الاثنين بعثا وزجرا ، يبعث نحو الأوّل ويزجر عن الثاني بعد درك
صغرى حكميه الأوّلين. فإذا علم أنّ هذا إحسان ـ والفرض أنّه حكم بحسن الإحسان ـ حرّك
نحوه ، وإذا أدرك أنّ هذا ظلم ـ والفرض أنّه حاكم بقبح الظلم ـ زجر عنه. فالبعث
والزجر قوّتان عمليّتان بصغرى وجدانيّة وكبرى عقليّة ، ومعنى وجوب متابعة القطع هو
تحريك القطع نحو المقطوع ، لا حكم العقل بوجوب متابعة القطع وراء ما حكم كبرويّا
في موضوع ما تعلّق به القطع.
ومن هذا يظهر لك
وجه عدم إطلاق الحجّة على القطع بالنسبة إلى متعلّقة ؛ فإنّ القطع محرّك نحو
متعلّقه ، لا واسطة لثبوت متعلّقه ، فإذا قطعنا بوجوب شيء حرّك قطعنا ذلك نحو
الإتيان بمتعلّقه ، وليس تحريكه ذلك من القضايا والدعاوى التي يقام عليها البرهان
بمثل : هذا مقطوع الوجوب ، وكلّ مقطوع الوجوب واجب.
ولو فرضنا كونها
من القضايا والدعاوى أيضا لا يطلق عليه الحجّة ، لكن لا لما قيل من أنّ الحجّة
اصطلاحا هو الوسط في البرهان ، والقطع بالوجوب ليس وسطا في البرهان ؛ فإنّه وإن
صدق قولنا : هذا مقطوع الوجوب ، ولكن لا يصدق قولنا : كلّ مقطوع الوجوب واجب ؛
لأنّ الواجب ليس عنوان مقطوع الوجوب بل ذاته ، فإنّ ذلك ناشئ من توهّم اعتبار أن
يكون الوسط معروضا للحكم في الكبرى ، وهو باطل ، وإلّا فأين يذهب البرهان الإنّي.
نعم ، اللازم هو أن يكون الوسط في الكبرى ملازما للحكم ، كان معروضا له أو لازما
أو ملازما معه أو كان عينه كما في كلّ إنسان حيوان ناطق.
وإنّما الوجه في
عدم إطلاق الحجّة عليه هو عدم كليّة الكبرى فإنّ «كلّ مقطوع الوجوب واجب» قضيّة
كاذبة لخطأ القطع كثيرا. نعم ، لو رتّب القياس هكذا : هذا ممّا أنا قاطع فعلا
بوجوبه ، وكلّ ما أنا قاطع فعلا بوجوبه فهو واجب ، لم يجر ما ذكرنا ؛ لأنّ القاطع
لا يحتمل الخطأ. فالوجه في عدم إطلاق الحجّة عليه مع ذلك هو أنّ الصغرى ـ أعني
قولنا : هذا مقطوع الوجوب ـ هو عين القطع بالمطلوب والنتيجة ، فما عساه أن تكون
نتيجة لهذا؟ وهل يبقى هناك مجهول يتوصّل بترتيب مقدّمات معلومة إليها؟
وثانيا : أنّ وجوب
المتابعة الذي ذكروه للقطع ليس هو للقطع ، بل هو ثابت لصفة