الخبر في حدّ ذاته حجّة لا تبيّن فيه.
ومن ذلك يظهر بطلان ما ذهب إليه الأستاذ رحمة الله من كونه في عداد سائر المرجّحات بمجرّد كونه كسائرها من مرجّحات السند في الروايتين الظنّيّتين ، وإن كان من مرجّحات جهة الصدور في القطعيّتين ؛ زاعما أنّ شيخه المرتضى رحمة الله إنّما أخّر مقامه لأجل أنّه عدّه من مرجّحات جهة الصدور ، وجهة الصدور متفرّع على أصل الصدور (١). لكنّك عرفت أنّ تأخيره ليس مستندا إلى ذلك ، بل إلى أنّ الترجيح بجهة الصدور ولو كان ترجيحا سنديّا متفرع على التكافؤ في الجهات الراجعة إلى أصل الصدور.
وأمّا ما يقال في وجه تقديم مرتبة هذا المرجّح على سائر المرجّحات عكس ما قلناه فأحد وجهين :
الأوّل : أنّ هذا المرجّح داخل في الجمع الدلالي المقدّم على الترجيح السندي ؛ فإنّ الخبر المخالف يكون قرينة على التصرّف في جهة صدور الموافق ، وأنّه صدر لا بداعي بيان الواقع.
وفيه : أنّ الجمع الدلالي لا يكون مع الأخذ بسند الخبرين ، ولا يعقل هاهنا الأخذ بخبر الموافق مع حمله على التقيّة ، فلا جرم يكون داخلا في الطرح ، وهذا شأن الترجيح بحسب السند.
الثاني : أنّ خبر الموافق أمره دائر بين الصدور واللاصدور ، فإن لم يكن صادرا فلا حجّيّة فيه ، وإن كان صادرا كان محمله التقيّة فأيضا لا حجّيّة فيه ، فهو على كلّ حال ليس بحجّة ، وما ليس بحجّة لا يعارض الحجّة حتّى يلتمس باقي المرجّحات ، ففي الحقيقة لا يكون هذا من المرجّحات بل من المسقطات عن الحجّيّة.
وفيه : أنّ هذا كذلك لو كان الخبر المخالف قطعيّا ؛ فإنّه يتعيّن الموافق ـ على تقدير الصدور ـ للحمل على التقيّة ، وعلى تقدير عدم الصدور فهو غير صادر. وأمّا لو كان ظنّيّا محتملا لعدم الصدور لم يكن الخبر الموافق محمولا على التقيّة ؛ لعدم المعارض له حينئذ حتّى يحمل على التقيّة ، فلا جرم تحصل المعارضة بينهما ، وتكون المخالفة والموافقة
__________________
(١) كفاية الأصول : ٤٥٤ و ٤٥٥.