فإنّ ظهوره في القاعدة ممّا لا ينكر ، وحمله على الاستصحاب ليوافق الأخبار الواردة في الاستصحاب ممّا لا داعي إليه ، والقاعدة تقتضي جعل كلّ منهما حجّة في مدلوله ، والحكم اعتبار الاستصحاب والقاعدة جميعا لو لا حصول المعارضة التي سمعت ، مضافا إلى الخدشة في سند الرواية ، ومعهما كيف يصحّ الاستناد إليها سيّما في إثبات قاعدة كلّيّة؟!
وأمّا الكلام في المقام الخامس ـ أعني الاستناد في اعتبار القاعدة على مدرك آخر غير أخبار الاستصحاب ـ فنقول : ما يتوهّم جواز الاستناد إليه من الأخبار هي أخبار قاعدة التجاوز ، وهي لو سلّم شمولها للأعمال المستقلّة دون أجزاء عمل واحد ـ ولازمه إذا عمّمنا المحلّ للمحلّ العادي أن يحكم بوقوع الصلاة ممّن اعتاد الصلاة في أوّل وقتها إذا شكّ في أنّه صلّى أو لا ـ ليس الحكم فيها إلّا بملاك التجاوز عن محلّ الفعل المشكوك ـ سواء كان متيقّنا به في زمان أو لم يكن ـ كمن غفل عن حاله وصلّى ، فإنّه يحكم بأنّه كان متطهّرا.
هذا مضافا إلى أنّه لا يعمّ مفاد الأخبار لليقين بالعدالة والاجتهاد ، وهكذا باقي الموضوعات إذا شكّ فيها ؛ إذ ليس لها محلّ يحصل التجاوز. وكذا الشكّ في الحكم بعد اليقين به ، فمفاد أخبار قاعدة التجاوز يكون أعمّ من وجه من قاعدة اليقين ، وأخصّ من وجه آخر.
[التنبيه] الثاني عشر :
لا إشكال في تقديم الأمارات على الأصول ، ومنه الاستصحاب.
والبحث في كيفيّة التقديم فقط علمي ، وهو أنّ تقديم دليل اعتبار الأمارة على دليل اعتبار الأصل هل هو على سبيل الورود أو على وجه الحكومة أو من باب التخصيص؟
أمّا بيان الورود فهو أنّ دليل الاستصحاب إنّما ينهى عن نقض اليقين بالشكّ ، وليس الأخذ بالأمارة في مورد الاستصحاب نقضا لليقين بالشكّ ، بل باليقين بالحجّة ، فالأخذ بدليل الأمارة يخرج المورد عن موضوع الاستصحاب بخلاف الأخذ بالاستصحاب ؛ فإنّه وظيفة للشاكّ لا أنّه يرتفع به الشكّ ، فموضوع الأمارة باق مع إجراء الاستصحاب بخلاف موضوع الاستصحاب ، فإنّه غير باق مع الأخذ بالأمارة.
وكلّما دار الأمر بين دليلين لا يبقى مع أحدهما موضوع الآخر دون العكس وجب الأخذ بالذي لا يبقى معه موضوع الآخر. وفي الحقيقة لا يكون بينهما معارضة ؛ إذ بشمول عمومه