التدارك. نعم ، مع إيجاب التدارك يجوز نفي الضرر ادّعاء ، فكان اللازم مع التقييد حمل النفي على الادّعاء.
بقي الكلام في الجمع بين دليل نفي الضرر وأدلّة الأحكام الواقعيّة الشاملة لضرورة ضررها ، وأنّه هل يقدّم هذا الدليل أو أدلّة الأحكام الواقعيّة؟ وعلى تقدير تقديم هذا الدليل هل تقديمه على جهة الحكومة أو التخصيص أو جمع عرفي خارج من الأمرين؟
لا يبعد أن يقال : الجمع يقتضي تقديم أدلّة الأحكام الواقعيّة.
بيانه : أنّ إطلاق الحكم الواقعي لمورد الضرر منضمّا إلى دليل نفي الضرر يكشف عن عدم الضرر في مورد شمولاه وأنّ ما زعمناه ضررا ليس بضرر ، وإن كان ذلك لأجل تدارك ضرره بنفع عاجل أو اجل ـ وقد ورد التصريح بذلك في باب الوضوء ـ بل لو لا دليل نفي الضرر أيضا كنّا نحكم بهذا التدارك ؛ فإنّ «أفضل الأعمال أحمزها» (١).
ودعوى أنّ الضرر المنفي هو الضرر الدنيوي ، والتدارك الاخروي لا يرفع موضوع هذا الضرر.
مدفوعة أوّلا : بعدم الشاهد على هذه الدعوى.
وثانيا : نلتزم حينئذ بالتدارك الدنيوي وأنّ مصلحة الحكم غالبة على ما فيه من الضرر.
وثالثا : كثرة الأحكام الضرريّة الواردة في الشريعة من التكاليف الماليّة والبدنيّة الضرريّة كالتكليف بالخمس والزكاة والكفّارات والحجّ والجهاد.
ودعوى تخصيص دليل نفي الضرر بذلك بعيدة جدّا ، سيّما وسياق القاعدة آب عن التخصيص ، فيعلم من ذلك ألا ضرر في موارد هذه الأحكام ، وليكن كذلك في كلّ مورد صادف الحكم شيئا من الضرر.
نعم ، يبقى شيء وهو أنّه على ما ذكرناه تلغي القاعدة ولم يبق لها مورد.
ويردّه : عدم ثبوت أنّ الأخبار في مقام إعطاء الضابطة للمكلّفين بها يقصر لسان أدلّة الأحكام الواقعيّة. فلعلّ ذلك مدرك حكمهم فيما يحكمون كقوله عليهالسلام : «لمكان الباء» في
__________________
(١) بحار الأنوار ٦٧ : ١٩١ و ٢٣٧.