أصالة الاحتياط. وحكم مجرى أصالة التخيير عندنا هي الإباحة الواقعيّة ، يعني ما توهّموه من الدوران بين المحذورين ، وحكموا في موضوعه بالتخيير الظاهري ليس من الدوران بين المحذورين ، بل من المباح الواقعي.
توضيحه : أنّ البعث من المولى نحو الفعل إمّا هو لغاية الانبعاث من العبد ، وهذا إنّما يعقل في مورد أمكن الانبعاث من العبد وكان أثر البعث ذلك لا فيما لا يمكن ، وفي المقام غير ممكن ذلك ؛ فإنّ الإعلام بالتكليف المتحقّق في المقام هو الإعلام بجنس الإلزام المردّد بين التعلّق بالفعل والتعلّق بالترك ، وهذا الإعلام ليس أثره الدعوة إلى الفعل ، ولا أثره الدعوة إلى الترك ، فلا يعقل أن يصدر ذلك من المولى لهذا الغرض.
فكلّ ما في بادئ النظر داخل في البعث الإجمالي ، ومن الدوران بين المحذورين ، ففي دقيق النظر خارج منه ، وليس في شأن هذا المكلّف الذي لا يعلم إيجاب ولا تحريم ، وإنّما الإيجاب والتحريم في شأن آخرين علموا بأحد الإلزامين على سبيل التعيين ، وأمّا هذا الذي لم يعلم فإذ لا بعث إيجابي تعيينا ولا زجر كذلك لا إيجاب في حقّه ولا تحريم ، والإلزام بأحد جانبي الفعل والترك من غير تعيين غلط لغو لا يصدر من المولى ، فهذا الشخص خارج عن التكليفين واقعا داخل تحت «اسكتوا عمّا سكت الله عنه» وتحت ما دلّ على إباحة الأشياء قبل الشرع.
ولو أغمضنا عن الحكم بالإباحة الواقعيّة فلا أقلّ من الحكم بالإباحة الظاهريّة ، فيدخل المقام تحت أدلّة البراءة وتحت حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان ؛ فإنّ البيان المزيل لحكم العقل بالقبح هو البيان الحجّة ، والبيان الحجّة هو البيان الصالح للدعوة ، وقد عرفت أنّ هذا البيان الإجمالي الحاصل في المقام غير صالح للدعوة ، فكان حكم العقل بالقبح باقيا على حاله غير مزال عن مقرّه.
وأمّا أدلّة البراءة الشرعيّة فدليل «كلّ شيء حلال» شامل للمقام إن كان المراد من الحلال فيه الحلال بمعناه الأعمّ الشامل للواجب ، وكان مؤدّاه إثبات جنس الحلّيّة لا خصوص الوجوب أو الإباحة.
وأمّا إن كان المراد منه الحلال بمعناه الأخصّ ـ أعني الإباحة ـ فالحديث لا يشمل المقام بما أنّ الإباحة فيه قطعيّة الانتفاء إلّا أن سائر أدلّة البراءة وافية بالمقصود ؛ فإنّ كلّ واحد من