الموضوع الكلّي ،
فكما لو لم يكن العلم الأوّل جرت أصالة الحلّ ، كذلك لو لم يكن العلم الثاني جرت
أصالة الحلّ ، وهو معنى أصالة الحلّ في الشبهات الموضوعيّة ، كما أنّا لو اكتفينا
بالعلم بالحكم الكلّي في قيام الحجّة على الصغريات الواقعيّة كان ذلك سدّا لباب
أصالة الحلّ في الشبهات الموضوعيّة ، وإيجابا للاحتياط فيها ، فإذا علم بخطاب مثل «لا
تشرب الخمر» حرم أفراد الخمر المعلومة الخمريّة ، ووجب ترك المشتبه خمريّته ، بل
لو يعلم بفرد واحد منها في محلّ الابتلاء وكان الكلّ مشتبهات وجب الاحتياط في
الجميع ، ولم تجر أصالة الحلّ.
وهذا هو المختار
عندنا ؛ وذلك أنّ البيان الذي يلزم به المولى ، ويقبح منه تركه ، ويعذّر العبد إذا
ترك المولى ذلك البيان ، هو البيان للحكم الكلّي في الموضوع الكلّي ، فإذا حصل هذا
البيان انقطع عذر العبد ، وكانت مخالفته بعد ذلك مخالفة عن تقصير ، وعقابه عقابا
ببيّنة وبرهان. وأمّا التنبيه على الجزئيّات فذلك ليس على المولى كي يعذّر العبد
عند عدم التنبيه ، بل عليه أن يحتاط في الجزئيات المشتبهة حتّى يقطع بالخروج عن
عهدة الخطاب.
نعم ، إذا كان
الحكم متوجّها إلى الجزئيّات ، وفي القوّة خطاب واحد منحلّا إلى تكاليف حسب كثرة
تلك الجزئيّات جرت البراءة عن تكاليف الجزئيّات المشتبهة ، وكان على المولى البيان
، والشبهة مع عدم البيان تكون حكميّة لا موضوعيّة.
هذا فيما يقتضيه
الدليل العقلي ، وأمّا الأدلّة النقليّة فهي غير قاصرة عن شمول الشبهات الموضوعيّة
، بل بعضها واردة في خصوص هذه الشبهات. فلا إشكال بحمد الله في المسألة.
الثالث : عموم حسن
الاحتياط عقلا ونقلا ، وأنّ حسنه لا يختصّ بمقام دون مقام ما لم يلزم منه ضرر أو
اختلال نظام ممّا لا إشكال فيه.
وإنّما الإشكال في
إمكان الاحتياط في العبادات. وجهة الإشكال هو أنّ الاحتياط عبارة عن الإتيان
بمحتمل الوجوب بما يعتبر من الخصوصيّات في الوقوع على صفة المحبوبيّة والخروج عن
العهدة ، وهذا في العبادات غير ميسور مع الجهل بالأمر ؛ فإنّ من جملة تلك
الخصوصيّات فيها هو الإتيان بداعي امتثال الأمر ، وهذا لا يتأتّى مع الجهل