لا يستطيع معه تحصيل العلم الحقيقي فهو مأمور بالاحتياط للصوم ، فالواجب عليه الإمساك استبراء لدينه.
روى الشعبي قال : سمعت النعمان بن بشير ـ ولا أسمع أحدا بعده ـ يقول : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إنّ الحلال بيّن ، والحرام بيّن ، وبينهما أمور مشتبهات ، لا يعلمها كثير من النّاس ، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لعرضه ودينه ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام» (١).
وقال : أكره أن يأكل وهو شاكّ ، وإن أكل فعليه القضاء ، وقال الشافعي : إن أكل شاكّا في الفجر فلا شيء عليه.
هذا والآية تدلّ على جواز الإصباح جنبا في الصوم ، وأن الجنابة لا تنافي الصوم ، لأنّها تفيد حلّ الأكل والشرب حتى الفجر ، والجماع كذلك ، فلو لزمه غسل من الجنابة قبل الفجر لما كان هناك حل إلى طلوع الفجر ، وقد أمره الله بإتمامه صومه إلى الليل ، فلو لم يكن الصوم صحيحا لما أمره بإتمامه ، وقد أجمعوا على أن الغاية هنا لإسقاط ما بعدها ، وهي كذلك في قوله : (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) وقد دخلت الغاية في حكم ما قبلها في بعض النصوص ، كقوله : (إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) [النساء : ٤٣] وفي قوله : (إِلَى الْمَرافِقِ) وقوله : (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) [المائدة : ٦] والمعوّل عليه في إثبات دخولها أو خروجها الدليل والقرينة.
(ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) مرتبط بما قبله في قوله تعالى : (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) والمعنى والله أعلم : افعلوا كل هذه الأشياء من المباشرة والأكل والشرب إلى الفجر ، فإذا جاء الفجر فأمسكوا ، وأتموا هذا الإمساك إلى الليل.
وقد أخذ الحنفية من هذه الآية لزوم ما شرع فيه من صوم التطوع ، ووجه دلالتها عليه عندهم : أن لفظ الصيام عامّ يتناول كلّ صوم ، فكل صوم شرع فيه لزمه إتمامه ، لأنّ الله سبحانه أمر بإتمام الصوم إلى الليل ، والأمر للوجوب ، فإن لم يتمه لزمه قضاؤه.
وهكذا سبيل جميع النفل عندهم من الصّلاة ؛ والحجّ ؛ والصّيام ؛ يجب بالشّروع فيه ، وعليه إعادته مطلقا ، سواء كان معذورا أو غير معذور ، وفصّل المالكية فقالوا : إن أبطله فعليه القضاء ، وإن كان طرأ عليه ما يفسده فلا قضاء عليه.
__________________
(١) رواه البخاري في الصحيح (١ / ٢٢) ، ٢ ـ كتاب الإيمان ، ٤٠ ـ باب فضل من استبرأ لدينه حديث رقم (٥٢) ومسلم في الصحيح (٣ / ١٢١٩) ، ٢٢ ـ كتاب المساقاة ، ٢٠ ـ باب أخذ الحلال حديث رقم (١٠٧ / ١٥٩٩).