القرص يكون النهار بطلوع القرص ، ويزعم أن المراد من الخيط الأبيض النهار ، ومن الخيط الأسود الليل. ولا ندري ما الحكمة إذا من اختيار لفظ الخيط ، وهل النهار عند طلوع الشمس يقال : إن بياضه كالخيط الأبيض! إن هذا لعجيب حقا؟
وأعجب منه زعم من زعم أنّ المراد من الخيط الأبيض طلوع الفجر حقيقة ، ولكنه يرى أنه لا يحل الفطر إلا بعد وجود عتمة الليل وظلمته وظهور النجوم ، لأنه فهم من قوله : (أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) أن المراد الظلمة ، وكأنّه لا يرى أن ما بين غروب الشمس ومجيء الظلمة من الليل.
والحمد لله ، انقرضت هذه المذاهب ، وانعقد الإجماع على عدم العمل بها ، فإنّه على فرض أن الآية تحتمل ما زعموا ، فقد جاء في بيان الرسول صلىاللهعليهوسلم وعمله وعمل أصحابه ما فصل به الليل عن النهار ، واستبان به وضح الصبح من ظلمة الليل.
هذا وقد اختلف أهل العلم في حكم الشاكّ في الفجر ، فذكر أبو يوسف في «الإملاء» أن أبا حنيفة قال : إن يدع الرجل السحور إذا شك في الفجر أحب إليّ ، فإن تسحر فصومه تام وهو قولهم جميعا في «الأصل» وقال : إذا أكل فلا قضاء عليه.
وحكى محمد بن سماعة (١) عن أبي يوسف عن أبي حنيفة : إن أكل وهو شاك قضى يوما مكانه ، وقال أبو يوسف : ليس عليه في الشكّ قضاء.
وقال الحسن بن زياد عن أبي حنيفة : إنّه إن كان في موضع يستبين به الفجر ، ويرى مطلعه من حيث يطلع ، وليس هناك علّة ، فليأكل ما لم يستبن له الفجر ، وهو قول الله تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) ، وإن كان في موضع لا يرى فيه الفجر ، أو كانت ليلة مقمرة ، وهو شاك ، فلا يأكل ، وإن أكل فقد أساء ، وإن كان أكبر رأيه أنه أكل والفجر طالع قضى ، وإلّا لم يقض : وهذا قول زفر وأبي يوسف. قال أبو بكر الرازي (٢) : وبه نأخذ ، وقال : ينبغي أن تكون رواية «الأصل» ورواية «الإملاء» في كراهيتهم الأكل مع الشك محمولتين على ما رواه الحسن بن زياد ، لأنّه فسّر ما أجملوه ، ولأنها موافقة لظاهر الكتاب.
وقد روي عن ابن عباس أنه بعث رجلين لينظرا له طلوع الفجر ، فقال أحدهما : طلع ، وقال الآخر : لم يطلع ، فقال : اختلفتما وأكل ، وكذلك روي عن ابن عمر.
والأصل في ذلك أنّ الآية جعلت حلّ الأكل ملغيّا بالتبيّن ، وهو حصول العلم الحقيقي ، ومعلوم أنّ ذلك إنما يكون عند عدم وجود المانع من حصوله ، وذلك إذا كان في مكان يستطيع معه التبيّن ، أما إذا كان في ليلة مقمرة ، أو غيم ؛ أو في موضع
__________________
(١) أحد تلاميذ أبي يوسف ومحمد ، كتب النوادر عن محمد توفي (٢٣٣ ه) انظر الأعلام للزركلي (٦ / ١٥٣).
(٢) انظر أحكام القرآن لأبي بكر الرازي (١ / ٢٣٠).