من سورة الطلاق
قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً (١))
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) إنما كان النداء خاصا بالنبي صلىاللهعليهوسلم ، والخطاب بالحكم عاما له ولأمته تكريما له عليه الصلاة والسلام ، وإظهارا لجلالة منصبه ، كما يقال لرئيس القوم وكبيرهم : يا فلان افعلوا كيت وكيت ، إظهارا لمقامه فيهم ، واعتبارا لترؤسه ، وإنه المتكلّم عنهم ، وإنه هو الذي يصدرون عن رأيه ، ولا يستبدّون بأمر دونه.
وقيل الجمع في قوله : (إِذا طَلَّقْتُمُ) للتعظيم ، مثل قوله تعالى : (قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ) [المؤمنون : ٩٩] وقول القائل :
ألا فارحموني يا إله محمد.
وقيل : أراد يا أيها النبيّ ويا أيها المؤمنون ، فحذف لدلالة الخطاب عليه.
وقيل : أراد يا أيها النبيّ قل للمؤمنين إذا طلقتم النساء إلخ.
وقد اتفق المفسّرون على اعتبار التجوّز في قوله تعالى : (إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) لأن الكلام لا يستقيم دونه ، لما فيه من تحصيل الحاصل ، أو كون المعنى إذا طلقتموهن فطلقوهنّ مرة ثانية ، وهو غير مراد قطعا ، فلا بدّ من التجوّز ، إما بإطلاق المسبب وإرادة السبب ، وإما بتنزيل المشارف للفعل منزلة الشارع فيه ، والمعنى : إذا أردتم تطليقهن تطلقوهن لعدتهنّ.
واللام في قوله تعالى : (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) لام التوقيت كاللّام الداخلة في التاريخ ، نحو كتبته لثلاث مضين من المحرم ، أي فطلّقوهن في عدتهن ، أي في وقتها. والمراد بالأمر بإيقاع الطلاق في ذلك النهي عن إيقاعه في الحيض ، وردت بذلك السنة الصريحة ، فالمعنى : إذا أردتم تطليقهنّ ، فلا تطلقوهن في الحيض ، فهو مثل قوله صلىاللهعليهوسلم (١) : «من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم»
__________________
(١) رواه مسلم في الصحيح (٣ / ٢٢٦) ، ٢٢ ـ كتاب المساقاة ، ٢٤ ـ باب الرهن ، حديث رقم (١٦٠٤) ، والبخاري في الصحيح (٣ / ٥٩) ، ٣٥ ـ كتاب السلم ، ١ ـ باب السلم في الوزن حديث رقم (٢٢٤٠).