وقال الشافعية والحنابلة : إن أفسد ما دخل فيه من تطوّع فلا قضاء عليه ؛ إلا في حجّ النفل عند الحنابلة ، فيجب إتمامه.
وقد استدل الحنفية بغير هذه الآية ، فقالوا : قال الله تعالى : (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) [محمد : ٣٣] والنفل الذي شرع فيه عمل من الأعمال ، فوجب عليه عدم إبطاله ، فإذا بطل أو أبطله فقد ترك واجبا ، ولا تبرأ ذمّته إلا بإعادته ، وورد في السنة ما يؤيده ، وهو ما روى عبيد الله بن عمر ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة أنها قالت : أصبحت أنا وحفصة صائمتين متطوعتين ، فأهدي إلينا طعام ، فأفطرنا ، فسألت حفصة رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «اقضيا يوما مكانه» (١).
واستدلّ الشافعية ومن معهم بقوله تعالى : (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) [التوبة : ٩١] وبقوله عليه الصلاة السلام : «الصّائم المتطوّع أمير نفسه» (٢) ، والمسألة خلافية كما ترى ، والذي يهمّنا هو : هل في هذه الآية دلالة لأحد من المختلفين أو لا؟ يرى الحنفية أنّ لفظ الصيام يتناول كلّ صوم شرع فيه ، وقد أمر بإتمامه ، وبإبطاله فات الواجب ، ولا يجبر إلا بالإعادة ، وكون الآية وردت في صوم الفرض لا يغيّر من عموم اللفظ شيئا.
والذي يظهر أن الآية ليست بصدد بيان وجوب إتمام ما شرع فيه فرضا أو نفلا ، بل بصدد تحديد الزمن الذي يحلّ فيه تناول المفطرات ، والذي لا يحلّ ، فقالت في الأول : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ) إلى قوله : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) وقالت في الثاني : (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) أي أنه بعد الفجر لا يحلّ لكم أن تتناولوا شيئا مما أحلّ لكم تناوله ليلا. ولا تعرّض فيها لنفل شرع فيه ثم فسد ، ولا لفرض شرع فيه ثم فسد ، بل لذلك حكم آخر يستفاد من دليل مستقل.
وقد فهم الحنفية من هذه الآية أيضا أن تبييت النية غير لازم ، ووجهه عندهم أن لفظ (ثم) يفيد التراخي ، والإجماع قائم على وجوب الإمساك من الفجر ، ووجوب الإمساك من الفجر مدلول عليه بذكر الغاية إلى (الْفَجْرِ) ، فإنّ معناه أن ما كان حلالا قبله يحرم بمجيئه ، وذلك بالإمساك من الفجر ، فإذا أمسكنا فعلينا الإتمام ، والإتمام إنما يكون بقصد ، فكأنّ النية التي هي القصد لم تطلب إلا بعد تحقّق الصيام ، فكان ذلك دليلا على أنّ النية تكون بعد الصيام ، فلا يلزم تبييتها ، وهو المطلوب.
__________________
(١) رواه أبو داود في السنن (٢ / ٣٢٨) في كتاب الصوم باب من رأى عليه القضاء حديث رقم (٢٤٥٧).
(٢) رواه الترمذي في الجامع الصحيح (٣ / ١٠٩) في الصوم ، باب ما جاء في إفطار الصائم حديث رقم (٧٣٢).