(وَكُلُوا وَاشْرَبُوا) : إطلاق من حظر ، كما في قوله تعالى : (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) [الجمعة : ١٠](وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) [المائدة : ٢](حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) المراد منه : حتى يستبين النهار من الليل ، وذلك يكون بظهور الفجر الصادق ، وقد روي أنّ رجالا منهم أخذوا اللفظ على ظاهره ، وحملوه على حقيقة الخيط الأبيض والخيط الأسود ، وتبيّن أحدهما من الآخر. قال : كما روي عن عدي بن حاتم ، لما نزلت : (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) أخذت عقالا أبيض وعقالا أسود فوضعتهما تحت وسادتي ، فنظرته فلما أتبين ، فذكرت ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فضحك ، وقال : «إنّ وسادك لعريض ، إنما هو اللّيل والنّهار» (١).
وقال عثمان : إنما هو الليل وبياض النهار.
وقد استبعد الفخر الرازي هذه الرواية على رجل مثل عدي بن حاتم ، فإنه يبعد على أي رجل أن يفهم من هذا اللفظ أنّ المراد الخيط الأسود حقيقة مع قوله : (مِنَ الْفَجْرِ) خصوصا ، وقد كان هذا التعبير مألوفا عند العرب ، وكان ذلك عندهم اسما لسواد الليل وبياض النهار في الجاهلية قبل الإسلام. قال أبو دؤاد الإيادي :
ولمّا أضاءت لنا ظلمة |
|
ولاح من الصّبح خيط أنارا |
ووجه تشبيه الليل والنهار بالخيطين أن الصبح أول ما يستبين ، وتنجاب ظلمة الليل ، يبدو الصبح رفيعا كالخيط. وبمقدار ما يظهر من خيط الصبح ينجاب خيط من الليل الأسود.
وقد روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم ما يفيد تحديد مدة الصيام : من الفجر إلى غروب الشمس ، كالذي روي عن عبد الله بن سوادة القشيري عن أبيه قال : سمعت سمرة بن جندب يخطب وهو يقول : قال رسول الله : «لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال ، ولا بياض الأفق الذي هكذا ، حتى يستطير» (٢).
وبهذا يتبين بطلان ما زعمه الأعمش من أن للصائم أن يأكل ويجامع بعد الفجر ، وقبل طلوع الشمس ، وهو غريب جدا. يزعم في توجيهه أنه لما كان الليل بغروب
__________________
(١) رواه البخاري في الصحيح (٥ / ١٨٣) ، ٦٥ ـ كتاب تفسير القرآن ، ٢٨ ـ باب قوله تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا) حديث رقم (٤٥٠٩) ومسلم في الصحيح (٢ / ٧٦٦) ، ١٣ ـ كتاب الصيام ٨ ـ باب بيان أن الدخول في الصوم حديث رقم (٣٣ / ١٠٩٠).
(٢) رواه مسلم في الصحيح (٢ / ٧٦٩) ، ١٣ ـ كتاب الصيام ، ٨ ـ باب بيان أن الدخول في الصوم حديث رقم (٤١ / ١٠٩٤) وأبو داود في السنن (٢ / ٢٩٠) ، كتاب الصوم باب وقت السحور حديث رقم (٢٣٤٦).