الفيئة ، فإذا كانوا لا يفيئون إلا بالسيف وجب قتالهم به ، لأن الغرض من المقاتلة هو الفيئة ، وهي لا تحصل إلا به ، وقد وقع من الصحابة قتال البغاة بالسيف ، وكفى بهم قدوة ، ونزول آية عامة على واقعة خاصة لا يخصص العام ، على أنّ القتال إنما شرع عند البغي قمعا للفتنة بين المسلمين ، والمفروض أنّ العلاج قد استعصى بالنصح ، ويراد اتخاذ علاج حاسم ، فليترك الأمر لمن يباشر الحسم ، فإن رأى أنّ الدواء يستأصل بما دون السلاح كان مسرفا في الزيادة ، وإن رأى أنّ الفتنة لا تدفع إلا بالسلاح فعل حتى الفيئة.
واختلفت أقوال الفقهاء في أموال البغاة التي أخذت منهم أثناء قتالهم ، فعن الإمام محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة : أن أموالهم لا تكون غنيمة. وإنما يستعان على حربهم بكراعهم وسلاحهم عند الاستيلاء عليه ، فإذا وضعت الحرب أوزارها ردّ المال عليهم ، وكذا يردّ الكراع والسلاح إذا لم يبق أحد باغيا.
وروي عن أبي يوسف : أن ما وجد في أيدي أهل البغي من كراع وسلاح فهو فيء يقسّم ويخمس ، وإذا تابوا لم يؤخذوا بدم ولا مال استهلكوه.
وروي عن الإمام مالك رضي الله عنه : ما استهلكه الخوارج من مال ودم ثم تابوا لم يؤخذوا به ، وما كان قائما بعينه ردّ ، وهو مروي عن الأوزاعي والشافعي.
وقال الحسن بن صالح : إذا قوتل اللصوص المحاربون فقتلوا ، وأخذ ما معهم ، فهو غنيمة لمن قاتلهم بعد إخراج الخمس ، إلا أن يكون شيء قد علم أنّهم سرقوه من الناس ، وعرف أصحابه ، فإنّه يردّ عليهم.
وما استهلك من أموالهم أثناء التجمع للقتال ، والتفريق عند وضع الحرب أوزارها ، لا ضمان فيه بالإجماع.
وقد جاء في حديث أخرجه الحاكم (١) ما يوضّح الحكم في المسألة ، فقد جاء فيه قال عليه الصلاة والسلام : «يا ابن أم عبد هل تدري كيف حكم الله فيمن بغى من هذه الأمة».
فقال : الله ورسوله أعلم. قال : «لا يجهز على جريحها ، ولا يقتل أسيرها ، ولا يطلب هاربها ، ولا يقسّم فيئها».
وقد روى عكرمة بن عمار بسنده عن ابن عباس أنّ الخوارج نقموا على علي رضي الله عنه أنّه لم يسب ولم يغنم ، فحاجّهم قائلا : أفتسبون أمّكم عائشة ، ثم تستحلون منها ما تستحلّون من غيرها؟ فإن فعلتم لقد كفرتم.
وقد سئل أبو وائل : أخمّس علي أموال أهل الجمل؟ قال : لا.
__________________
(١) رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين (٢ / ١٥٥).